ضمن سلسلة الكتب الإسلامية التي تصدر عن هيئة علماء الأزهر وتوزع مع مجلة «الأزهر»، صدر كتاب مهم لعالم من علماء الأزهر الشريف، هو طه جابر العلواني، الذي شغل مناصب عديدة وعمل على خدمة الإسلام والمسلمين. يتكون الكتاب الذي جاء تحت عنوان «الأزمات الإنسانية والحل القرآني» من جزأين، تحدث المؤلف في أولهما عن مسألتين: الأولى: فشل محاولات أعداء الإسلام على مر التاريخ وحتى الآن للنيل من القرآن وتحريفه، رغم عملهم باستمرار على إثارة الشبهات ودسها حول القرآن الكريم، بغية إيجاد حاجز بين الإنسان المسلم وبين كتابه المنزَّل، وكذلك لمنعه من فهم الإسلام على حقيقته. فتلك الجهات تدرك تماماً أن القرآن يحمل في مضمونه وآياته وسوره العلاج الشافي لسائر الأمراض والأزمات الإنسانية، كما يمنح البشرية ويعطيها المناعة اللازمة. ويستشهد المؤلف بالكثير من الأمثلة لتبيان ذلك، وكان منها ما قاله رئيس الوزراء البريطاني «وليم جلاستون» في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما رفع المصحف في مجلس العموم البريطاني وخاطب أعضاءه قائلاً: «لن يكون لنا في الشرق مستقبل مادام هذا القرآن يتلى»، وكأنه بذلك يدعو لتجنيد الأقلام والأفكار والإعلام.. لتشويه القرآن! المسألة الثانية: تفسير القرآن بالقرآن، حيث يشرح المؤلف ذلك بقوله: «لقد ورثنا نحن المسلمين كتابات في التفسير تجاوزت كل ما ورثناه في العلوم الأخرى، من حيث العدد والاتجاهات، بدءاً من جيل التلقي ثم الأجيال التي جاءت بعده، وكان منها التفسير اللغوي، والتفسير الإشاري (القائم على روايات حول آثار عملية وقولية ذات علاقة بالآيات)، ثم التفسير الفقهي الذي يركز على معرفة الأحكام الواردة في آيات القرآن الكريم. وبرزت اتجاهات أخرى في التفسير، مثل «التفسير الإشاري الذي عني به بعض الصوفية، والتفسير العقلاني والبلاغي والبياني ثم التفسير العلمي والتفسير العددي والتفسير الفلسفي». ويتابع الكتاب: «هذا التراث التفسيري المتنوع بما قدمه لفهم القرآن الكريم، على اتساعه وتنوعه وكثرة فوائده، لم ينجح في استجلاء معاني القرآن الكريم كلها، وبقي في هذا الكتاب الخالد كثير من العوالم أكثر بكثير مما استفاده من تدخلات المفسرين». ومن هنا يؤكد العلواني أن رحلته في تدبر القرآن كانت للتعرف عليه أكثر ولمحاولة فهمه من داخله واستجلاء بعض أسراره من ثنايا آياته والتعرض لأنواره ونفحاته.. وهذا يعطي المتدبر للقرآن وعياً أكثر وفهماً أعمق لسياقاته ومعانيه ومقاصده وغاياته، لذلك اتجه المؤلف للكتابة في هذا النوع من التفسير (تفسير القرآن بالقرآن) وتنبيه الناس إلى فوائده. وفي الجزء الثاني من كتابه يشرح لنا المؤلف الكيفية التي يفترض أن يُستخدم بها القرآن الكريم ليصبح علاجاً شافياً لسائر الأزمات الإنسانية والمعضلات الكثيرة التي تعاني منها البشرية، وذلك عبر تبني البديل الحضاري الإسلامي العالمي، حيث يؤكد العلواني أنه لابد أولاً من التعرف على الحلول التي يقدمها القرآن الكريم لعلاج الأزمات الإنسانية، والتي لم تفلح كل الأيديولوجيات الوضعية والفلسفات الفكرية في علاجها.. لكن شريطة العودة بصدق إلى القرآن باعتباره «كتاب الله الكوني»، وتقديمه باعتباره كتاب استخلاف ومنشأ عمران ودليل استفاضة وهداية في هذا الوجود، وأن يربط الناس مشاريعهم التجديدية والحضارية بالقرآن الكريم، وعلى نحو وثيق وصادق، وأن يحاولوا جعله يؤثر في كل شيء في واقع حياتهم وفي أنماط تفكيرهم.. منعاً لاستمرار حالة التيه والعودة بعد كل تجربة إلى نقطة البداية والمنطلق!