يأخذ العنف أشكالاً عدة، منها استخدام القوة البدنية، أو أحياناً في شكل تهديد باستخدام القوة، ضد شخص آخر، أو ضد مجموعة من الأشخاص، أو ضد مجتمع كامل، أو من نفس الشخص ضد جسده وذاته، كما في حالات الانتحار، أو إيذاء النفس، وهو ما يعرف بالأذى أو العنف الذاتي. ومهما كان شكل العنف أو أسلوبه، فغالباً ما ينتج عنه إصابة بدنية للضحية، أو وفاة، أو ضرر نفسي ومادي. ويعتبر العنف وتبعاته، من أكبر مشاكل الصحة العامة، على جميع المستويات، المحلية، والإقليمية، والدولية. حيث تشير الإحصاءات إلى أن العنف يتسبب في وفاة 1.5 مليون شخص سنوياً، 50 في المئة منهم بسبب الانتحار وهو أحد أكبر وأخطر مظاهر العنف الذاتي، و35 في المئة آخرون بسبب جرائم القتل، بالإضافة إلى 12 في المئة كنتيجة مباشرة للحروب والصراعات المسلحة. وبخلاف هذا العدد الهائل من قتلى العنف سنوياً، يقدر بأن لكل حالة وفاة من جراء العنف، هناك عشرات الإصابات التي تتطلب خطورتها وحدَّتها حجز المصابين في المستشفيات، بالإضافة إلى مئات الزيارات لأقسام الطوارئ بالمستشفيات، والآلاف من زيارات الأطباء لاحقاً لمتابعة وعلاج آثار العنف طويلة المدى. حيث غالباً ما يؤدي التعرض للعنف إلى تبعات سلبية عديدة، جسدية ونفسية، كما يمكن للعنف أن يعيق التطور الاقتصادي والاجتماعي للشخص، ويؤثر سلباً في قدرته على التواصل مع الآخرين، ويمنعه من المساهمة في المجتمع بشكل كامل. ومن بين أشكال وأنواع العنف المختلفة، يحتل العنف ضد النساء أهمية خاصة، في ظل تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن 35 في المئة من نساء العالم، أو واحدة من كل ثلاث، تعرضن لعنف بدني، أو عنف جنسي، سواء من الأزواج ومن أشخاص غرباء. ولا تنظر المنظمة الدولية إلى مثل هذا العنف على أنه مشكلة صحة عامة دولية فقط، وإنما أيضاً انتهاك للحقوق الإنسانية الأساسية، لطائفة أو مجموعة تشكل نصف عدد أفراد المجتمعات البشرية. وأمام هذا الواقع المؤسف، خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر من كل عام، كيوم دولي للقضاء على العنف ضد النساء (International Day for the Elimination of Violence Against Women)، بهدف زيادة الوعي بحجم هذه المشكلة، وزيادة الإدراك العام بأنواع العنف الذي تتعرض له نساء العالم، سواء في شكل اغتصاب جنسي، أو عنف منزلي، وغيره من أشكال وأنواع العنف، وسوء المعاملة، والظلم وغبن الحقوق. والغريب أن جزءاً كبيراً من العنف الموجه ضد أفراد هذه الطائفة- أي إناث المجتمع- يكون صادراً غالباً من أزواجهن، ولدرجة أن 38 في المئة من جرائم القتل ضد النساء، يكون مرتكبوها هم أزواجهن. وبوجه عام، تظهر الدراسات أن ثلث النساء المتزوجات، تعرضن لنوع أو آخر من أنواع العنف على يد أزواجهن. وكثيراً أيضاً ما يبدأ العنف ضد النساء قبل أن يولدن، ضمن ظاهرة إجهاض الأجنة الإناث، ووأد البنات. هذه الظاهرة، المعروفة بمأساة «مئة مليون امرأة مفقودة»، تشير إلى عدد الإناث الذي يعتقد أنهن أجهضن كأجنة، أو تم وأدهن كبنات، في الغالب نتيجة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية. وترتبط مجموعة من الظروف وعوامل الخطر بزيادة احتمالات الوقوع ضحية للعنف، أو ارتكاب هذه الجريمة ضد الآخرين. فعلى صعيد الضحايا، تتزايد احتمالات التعرض للعنف مع انخفاض مستوى التعليم، أو التعرض لمواقف من العنف بين الأبوين، أو التعرض لإساءة المعاملة في سنوات الطفولة، أو أن المجتمع برمته يتقبل- بدرجة ما- العنف ضد الجنس الآخر، أو يعاني عدم المساواة بين الجنسين. وعلى المنوال نفسه، تزيد هذه العوامل من فرصة أن يصبح الشخص مرتكباً للعنف ضد الجنس الآخر، وخصوصاً انخفاض مستوى التعليم، والتعرض لمواقف من العنف بين الأبوين، أو التعرض لإساءة المعاملة خلال سنوات الطفولة، بالإضافة إلى الإفراط في تناول الكحوليات، أو تعاطي المخدرات والمُسكرات. ومثلها مثل قضايا الصحة العامة الأخرى، لا بد وأن تعتمد استراتيجية مكافحة ظاهرة العنف ضد الإناث على إدراك حجم المشكلة وتبعاتها، وفهم أسبابها، وعوامل الخطر المؤدية إليها. ومن الواضح أن المجتمع الطبي والصحي أصبح على دراية تامة بحجم مشكلة العنف ضد النساء في غالبية المجتمعات الحديثة، وبالتبعات البدنية والنفسية والاقتصادية لها، وبعوامل الخطر التي تضخمها وتزيد من وقعها. وهو ما أصبح يُشكل أرضيةً صلبة، لتفعيل التدابير والإجراءات القادرة على خفض ومنع واحدة من أكثر الجرائم الإنسانية انتشاراً.