في معظم الفترات الانتقالية الرئاسية، يمكن للمرء معرفة الشخص المرجح للحصول على وظيفة من خلال أولئك الذين يرفضون الحديث عنها مع الصحافة. ووفق هذا المنطق، يبدو أن «جون بولتون»، الدبلوماسي المتقاعد المعروف بشاربه وولعه بسيارات «فورد موستانج» ومقته لأعداء أميركا، هو المرشح المتصدر لمنصب وزير الخارجية. وفي الوقت الراهن، يبدو «بولتون»، إذا ما استعرنا عبارة ترامب «مرشحاً للدور النهائي». وقد أخبرتني مصادر في الحزب «الجمهوري» أن «رودي جيولياني» يواجه مشكلات في مرحلة التقييم بسبب علاقاته التجارية السابقة. ولا يمكن لـ«ميت رومني» أن يحمل نفسه على تقديم نوع من الاعتذار العلني الذي سيطلبه معظم المؤيدين المتحمسين للرئيس المنتخب. وأما السيناتور «الجمهوري» عن ولاية تينيسي «بوب كروكر»، فيعتبر غير مؤهل للمنصب بشكل كبير، وينطبق ذلك أيضاً على «جون هانتسمان» الحاكم السابق لولاية «يوتاه». وفيما يتعلق بـ«ديفيد بترايوس» فسيجعل من حملة ترامب مثاراً للسخرية بسبب هجومها الشرس على هيلاري كلينتون إثر فضيحة استخدام بريديها الإلكتروني الخاص، في ضوء استقالة بترايوس من منصبه في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إثر فضيحة علاقته هو الآخر بكاتبة سيرته الذاتية. وتقودنا هذه المعطيات إلى «بولتون». وبالطبع، يواجه هو أيضاً بعض المآخذ، فقد أيّد علانية جماعة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة التي تم تصنيفها باعتبارها «منظمة إرهابية» حتى عام 2012. ولم يكن «بولتون» وحده الذي أعلن تأييده للمنظمة، إذ إن هناك «ديمقراطيين»، مثل «هوارد دين» و«إد ريندل» قد حصلوا على أموال من مؤيدين للمنظمة. ولكن على رغم ذلك، فإذا حصلت «مجاهدي خلق» على موطئ قدم في البيت الأبيض في عهد ترامب، فإن ذلك ليس من شأنه فقط تعقيد الانفتاح الأميركي على إيران (حتى لو كان ترامب مهتماً بذلك)، وإنما سيؤثر أيضاً على التواصل مع المعارضة الديمقراطية في إيران، والتي تعتبر «مجاهدي خلق» بمثابة «المستبدين المنتظرين». وقد أكسبت مثل هذه الأمور «بولتون» بعض الأعداء. ولذلك تعّهد «راند باول» السيناتور «الجمهوري» بأنه لن يؤيد اختيار «بولتون» في أعلى منصب بوزارة الخارجية. وإذا فاز «الجمهوريون» بجولة الإعادة في لويزيانا خلال الأسبوع الجاري، فإن ذلك سيمنح «الحزب الجمهوري» 52 صوتاً في مجلس الشيوخ مقابل 48 صوتاً لـ«الديمقراطيين». وستحتاج الأقلية لصوتين فقط لتعطيل ترشيح «بولتون». وقد حدث ذلك من قبل، ففي عام 2005، عرقل «الديمقراطيون»، ترشيح «بولتون» لمنصب سفير لدى الأمم المتحدة، عندما منع السيناتور الراحل «جورج فيونفيتش»، الذي تقاعد لاحقاً قبل أن توافيه المنية في يونيو الماضي، ترشيحه. ويعني ذلك كله أن هناك أسباباً قوية تجعل «بولتون» ملائماً جداً لإدارة ترامب. وعلى عكس المرشحين الآخرين للوظيفة، فلديه خبرة كبيرة في أروقة وزارة الخارجية الأميركية. وعلى ترامب أن يتوقع مقاومة من جهاز الخدمة الخارجية والمؤسسة الدبلوماسية فيما يتعلق بسياساته الخارجية. وسيكون «بولتون» شخصاً مناسباً لكونه عارفاً ببواطن أمور هاتين الجهتين. وعلى الرغم من سمعة «بولتون» غير الدبلوماسية، إلا أنه كان دبلوماسياً مؤثراً. وفي 1991، عندما شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية، قاد معركة في الأمم المتحدة من أجل إلغاء القرار رقم 3379، الذي وصف «الصهيونية» بـ«العنصرية»! وكان ذلك القرار قد تم تمريره بأغلبية 72 صوتاً مقابل 35 صوتاً في 1975. وفي 1991 ألغته الجمعية العامة بأصوات 86 عضواً مقابل 46. وفي إدارة جورج بوش الأولى، عندما شغل «بولتون» منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي، حقق ثلاثة إنجازات. وتمثل إنجازه الأول في التفاوض على انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية، التي وضعت قيوداً على تطوير الولايات المتحدة لأنظمة دفاعية صاروخية. ونجح في الانسحاب من دون أية تبعات فورية على العلاقات الأميركية الروسية. ولم تبدأ العلاقات بين موسكو وواشنطن في التدهور حتى فترة بوش الثانية. وكان «بولتون» أيضاً أداة مفيدة في القيام بالجولة الدبلوماسية الأولى المطالبة بإعفاء الجنود الأميركيين من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية. واستخدم أسلوب «ليّ الذراع» للحصول على اتفاقيات حصانة ثنائية. فداهن وانتقد السفراء، مهدداً بقطع المساعدات الأميركية. وفي نهاية المطاف أثمرت جهوده. ووافقت أكثر من مئة دولة على إعفاء القوات الأميركية من المحاكمة أمام المحكمة بحلول نهاية عهد إدارة بوش. وأخيراً، فـ«بولتون» هو مهندس الترتيبات بين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية لاعتراض السفن المشتبه في نقلها أسلحة دمار شامل. وهذا الترتيب، المعروف بـ«المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار»، لا يزال سارياً حتى الآن. وفي خطابه البارز عام 2009 حول الحد من التسلح في براغ، أثنى الرئيس أوباما على «فكرة بولتون» باعتباره «أداة مهمة في جهودنا الرامية إلى تفكيك السوق السوداء واكتشاف واعتراض نقل المواد المستخدمة في تصنيع أسلحة الدمار الشامل، واستغلال أدوات مالية في إحباط هذه التجارة الخطيرة». إيلي ليك محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»