منظمة الأقطار المصدِّرة للنفط «أوبك» تخرج معافاة من غرفة الإنعاش.. هذا هو الوصف الدقيق لعودة المنظمة لتعلب دورها التاريخي في استقرار أسعار النفط بعد اتفاقها الأخير في العاصمة النمساوية «فيينا» بتخفيض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً إلى 32.5 مليون نزولاً من 33.7 مليون برميل يومياً، علماً بأن إنتاجها الفعلي تجاوز 38 ألف برميل الشهر الماضي. لقد استعجل كتاب وخبراء عديدون، وبالأخص في الغرب نعي «أوبك» في السابق، قائلين، بأنها انتهت من الناحية العملية، ولم يعد بإمكانها لعب دور المنظم لسوق النفط العالمية، وذلك بسبب الوهن الذي أصاب المنظمة والناجم عن الخلافات والتفاوتات بين أعضائها وفشلهم المتكرر في السنوات الماضية في الوصول إلى سقف جديد، يحدد حصص الإنتاج للدول الأعضاء، إضافة إلى انسحاب بعض أعضائها. ويبدو من خلال التطورات الأخيرة أن منظمة «أوبك» أصيبت بمرض شديد، إلا أنه غير قاتل، مما مكّنها من العودة بقوة لأخذ مكانتها السابقة في تحديد الأسعار، علماً بأن هذه العودة تمت في ظروف مستجدة وتغيير في موازين القوى النفطية، وهو الأمر الذي أشرنا إلى ضرورة حدوثه أكثر من مرة لاستعادة التوازن لسوق النفط. الفكرة الأساسية تكمن هنا في وجود لاعبين كبار من خارج «أوبك» لا بد من التعاون معهم وإشراكهم في أي ترتيبات جديدة لتثبيت الأسعار، وبالأخص روسيا الاتحادية التي أضحت أكبر منتج للنفط في العالم إلى جانب السعودية، مما يعد أحد ضمانات نجاح أي اتفاق حول تحديد مستويات الإنتاج، وهو ما نجم عن زيارة وزير الطاقة الروسي للرياض الشهر الماضي والاتفاق بين الدولتين على تخفيض الإنتاج، الذي شكّل أساساً لاتفاق «أوبك». لقد حالت المعارضة الإيرانية والعراقية لتخفيض الإنتاج دون التوصل إلى اتفاق في الفترة الأخيرة، إلا أن ممارسة روسيا ضغوطاً على الدولتين أسهم في انضمامهما إلى اتفاق «أوبك» الأخير، ولكن دون وجود ضمانات بالتزامهما التام بحصص الإنتاج، فالأولى تخوض حروباً عبثية وطائفية في المنطقة تدفعها إلى زيادة عائداتها النفطية من خلال زيادة الإنتاج، في حين لا توجد عملياً حكومة مركزية في بغداد يمكنها التحكم فعلياً في مستويات الإنتاج، مما قد ينجم عنه خروقات يتعرض بسببها الاتفاق لخطر الانهيار. إضافة إلى ذلك توجد صعوبات أخرى، ولكنها أقل أهمية، كانسحاب إندونيسيا للمرة الثانية بعد عودتها الأخيرة لاعتراضها على إعادة توزيع الحصص، إلا أن إنتاج إندونيسيا من النفط قليل نسبياً، وهو في تراجع مستمر بسبب محدودية الاحتياطيات. حتى الآن أسهم الاتفاق في ارتفاع الأسعار بنسبة 20% ليصل مزيج برنت إلى 55 دولاراً للبرميل، إلا أنه لا يمكن الارتهان إلى هذه القفزة في الأسعار والاطمئنان إليها بصورة كاملة، إذ بالإضافة إلى العوامل الموضوعية الخاصة بالاتفاق، فإن هناك عاملاً آخر مهماً يتعلق بالمضاربات والتي سرعان ما تأخذ اتجاهاً معاكساً لجني الأرباح. ومع ذلك، فإننا نعتقد أن المحصلة النهائية للاتفاق، إيجابية بكل تأكيد، فالمضاربات ركن أساسي من تقلبات أسعار السلع، بما فيها النفط، وهي عملية مستمرة وملازمة للأسواق، سواء باتفاق «أوبك» أو من دونه، مما يتطلب التعامل معها كحقيقة موضوعية لعمل السوق. أما بشأن المستقبل، فإننا نتفق تماماً مع استنتاج وكالة الطاقة الدولية، والتي أشار إليه مديرها خلال مؤتمر الطاقة يوم الخميس الماضي، والذي عُقد في العاصمة السلوفاكية من أن سوق النفط مقبل على فترة من التقلبات بعد قرار «أوبك»، كما أن تدفقات النفط الصخري الأميركي ستزيد إذا ما تجاوزت الأسعار 60 دولاراً للبرميل، مما سيشكل تعقيدات أخرى في أسواق النفط لا بد لـ«أوبك» من معالجتها بالتعاون مع البلدان المنتجة الأخرى من خارج المنظمة.