القمة الخليجية السابعة والثلاثون تختتم أعمالها اليوم في البحرين، التي بلا شك ناقشت فيها العديد من الملفات الإقليمية والدولية مثل: الملف النفطي والحرب على الإرهاب وتنظيم «داعش»، والحرب اليمنية التي تسعى دول الخليج إلى إنهائها سياسياً، والأهم من تلك الملفات الملف الإيراني وكيفية وضع حد لسلوكياتها الاستفزازية المؤدية إلى الاضطراب الأمني في المنطقة. حقيقة لا يمكن القفز على إيران في هذه القمة، خصوصاً بعد أن اكتشفت القيادة الإيرانية سحر تمددها في الإقليم من خلال إقناع الغرب بأهميتها وأهميته في فرض سياستها الخارجية إقليمياً ودولياً، مما جعل قادتها العسكريون يصرحون بنيتهم في بناء قواعد عسكرية في خليج عُمان والبحر المتوسط والمحيط الهندي. الإلحاح على مناقشة «حلم» إيران في أن يكون شرطي منطقة الشرق الأوسط، وليس الخليج فقط كما كان في عهد الشاه، من خلال التمكين الأمني فيها، لا يمكن اعتباره من قبيل الترف الخليجي أو الفضول السياسي، بل التطرق له يكون من باب التفكير في إيجاد مخرج عمن يحاول أن يزج بالمنطقة كلها، بل والعالم إلى الاضطراب، كما هو حاصل الآن من قبل «داعش» والهجرات إلى أوروبا، والأخطر من ذلك أن تصرفاتها السياسية يبدو أنها تدفع نحو إجبار الآخرين على استخدام القوة العسكرية كأداة للحل لأي خلافات سياسية، كما هو حاصل في اليمن وسوريا. وإذا كان المشهد السياسي العام في دول الخليج يوضح أن هناك رغبة من صانع القرار السياسي الخليجي في الاستقلالية وعدم الارتكان إلى تقلبات مزاج الإدارة الأميركية، سواء كان «جمهورياً» أو «ديموقراطياً» وربما هذه إحدى النقاط الإيجابية التي خرجت بها دول الخليج من عهد أوباما- وإنْ لم يقصده- إلا أن هناك «ميزة نسبية» ينبغي على الخليجيين الاستفادة منها في الوقت الحالي، وهي وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، وهذه الإدارة تحمل شعوراً معارضاً للاتفاق النووي التي وقعته إدارة الرئيس أوباما، وهي تعمل على تكوين فريق عمل لا يثق في النظام الإيراني، لهذا ينبغي مناقشة هذه الإيجابية لتكون في صالح الخليجيين ولكن دون الارتكان عليها بالكامل من باب أن المصالح السياسية هي التي تقرر هل إيران عدو أم صديق لدى الإدارة الجديدة؟! لا يمكن تصور قمة خليجية على أي مستوى، ثنائي أو جماعي، من دون مناقشة سلوكيات إيران السياسية، باعتبارها أحد المهددات الرئيسية للاستقرار في المنطقة، وإذا حدث وحصل ذلك فمن وجهة نظري تبقى قمة منقوصة، لأن هناك أسباباً منطقية تفرض نفسها لمناقشتها، فما بالك وأن الأيام الحالية مليئة بالكثير من الملفات الإيرانية المزعجة مثل: تقنين ميليشيات الحشد الشعبي الطائفي في العراق، وهو الجيش الذي يشرف عليه ضباط من الحرس الثوري الإيراني أو من العراقيين ممن تربوا على العقلية الإيرانية، ليكون أحد مكونات الجيش العراقي الوطني أو الوضع المعقد سياسياً في اليمن من خلال رفض كل المحاولات للحل السياسي هناك، فكل هذه الوسائل هي من أجل إلحاق الأذى لدول الخليج بلا استثناء. بعيداً عن العاطفة والمشاعر تلعب الأمور السياسية والتهديدات الاستراتيجية دوراً في خلق تفاهمات بين الدول، وهذا حدث بين فرنسا وألمانيا في التاريخ القديم وحادث بين تركيا وإسرائيل قبل أيام، ويفترض أن تتعمق تلك التفاهمات كلما كان هناك ترابط بين مجموعة من الدول في ناحية التاريخ والهوية كحال دول دول مجلس التعاون الخليجي التي تواجه تهديداً حقيقياً ليس في الاستقرار فقط، ولكن في إعادة رسم خريطتها لتكون طائفية! المهم أنه مثلما مثلت المتغيرات السياسية والأمنية الدولية والإقليمية في عام 1981 عاملاً مهما في إيجاد تنسيق خليجي لظهور التكتل السياسي الخليجي، فإن الوضع الحالي يؤكد على أهمية تطوير فكرة التعاون بين هذه الدول من أجل زيادة التنسيق، لتكون هناك رؤية سياسية خليجية موحدة تجاه التحديات على أساس أن ضعف التأثير الخليجي نابع من وجود رؤى متباينة تجاه إيران. الحراك السياسي الخليجي الكثيف الذي سبق القمة الخليجية لم يكن وليد هذه القمة، وإنما هو ناتج عن تغيرات استراتيجية في المنطقة، لذا فإن القرارات التي ستصدر اليوم عن القمة ستكون بحجم التحديات الدولية والإقليمية.