مما لا شك فيه أن العراق اليوم مُخترق في هويته الوطنية والاجتماعية وتُنهب موارده الاقتصادية، وتتقيد سياساته ومصالحه بمصالح دول أخرى، الأمر الذي يُطلق عليه التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية. لا غرابة في كون العراق اليوم يعيش حالة من التشوه في الهوية، فلا بد أن نعلم بأن المكون الاجتماعي العراقي يمثل هويات متصارعة ليس لمصالح ومكاسب وحقوق فقط بل في تقسيم الجغرافيا وتحقيق طموحات قومية وأخرى دينية أيضاً، فالأكراد يمضون بكل قوة نحو دولتهم «كردستان العراق»، في مقابل الهويات الأخرى الأكثر قوة وحضوراً وهي الهوية الشيعية والسُنية، وهناك هويات أخرى محل استقطاب مثل التركمانية والصابئة واليزيدية. بالنظر في الهوية الشيعية العراقية نجدها تحتل اهتماماً خاصاً في تحديات استقرار منطقة الشرق الأوسط والخليج لكونها تستند إلى فكر وعقيدة دينية، وللحقيقة قول، بأن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي تحمل تراث وأساطير وخرافات وفقه ومراقد المذهب الشيعي، والتي مثلت أرضية اجتماعية خصبة ما زالت تخدم رجال الدين الشيعي في إيجاد وسيلة للتحكم في المجتمع العراقي واستنزاف ماله ودمه، ومن مظاهر هذا التحكم وجود مسميات وتصنيفات طبقية اجتماعية مثل السادة والأشراف وعامة الناس. وهذا يقود إلى القول إن المجتمع العراقي الشيعي يعيش حالة من نظام إقطاعي جيني يستغل المجتمع العراقي وثقافته وموروثه، ويترتب على ذلك السيطرة على أغلبية عقول وسلوك المجتمع العراقي الشيعي مع تجمعات شيعية أخرى في الأقطار العربية والإسلامية. وعلى الرغم من أن ليس هناك أحقية جينية دينية إسلامية ولا إنسانية لأحد في انتسابه إلى سلالة علي رضي الله عنه، فالمجتمع العراقي الشيعي يُلعب به عاطفياً ومذهبياً وتُنهب أمواله الخاصة من خلال ما يُسمى الخمس وتسرق الأموال العامة من مورد النفط عبر الفساد السياسي والإداري. وعند تفحص الموروث التاريخي الشيعي في العراق الممتد من فترة علي رضي الله عنه والدولة العباسية مروراً بأحداث تاريخية كثيرة إلى فترتنا المعاصرة، نجده محلاً لحدوث كوارث عقدية وفقهية وسياسية؛ التاريخية منها والمعاصرة، مثال ذلك، من كانوا يسمون أنفسهم العلويين قد تعاونوا مع المغول في تدمير الدولة العباسية وعاصمة الخلافة آنذاك بغداد ليحل محلها الدولة العلوية، وها هم أحفادهم اليوم يدمرون عروبة بغداد الرشيد بتعاونهم مع الفرس، والأمثلة كثيرة.. ولعل الوضع الاجتماعي العراقي الحالي تعود أسبابه إلى الثورة الإيرانية الشيعية، فهي من أيقظ هذا الموروث منذ قيامها، وازدادت توغلاً في العراق في فترة الحصار بعد تحرير الكويت وضعف الإيديولوجية «البعثية» العربية العراقية، ثم بدأت السيطرة عندما دعمت إيران والملالي المعارضة العراقية الموالية لإيران لإسقاط نظام «البعث» العراقي بكل مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية، وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية بعد احتلال العراق مجبرة على التعاون مع إيران في الشأن العراقي لحقيقة مدى تحكمها في القوى الاجتماعية العراقية الشيعية. انظر إلى ما آلت إليه المؤسسة العسكرية العراقية، فمع تصويت أغلبية الحاضرين في البرلمان العراقي «26/11/2016» على قانون «الحشد الشعبي» بأن يكون جزءاً من القوات المسلحة العراقية، أصبح الجيش العراقي له هوية تتصل بإيران و«قم» و«حزب الله» مع حكومة بغداد، فـ«الحشد الشعبي» لا يمثل قوات مقاتلة فقط، بل لها هوية عقدية وسياسية تتبع أطرافاً خارجية، وهو بمثابة شرعنة الحرس الثوري الإيراني في العراق. علماً بأن معظم تشكيلات «الحشد الشعبي» تتبع خامنئي بإيران، إلى جانب السيطرة السياسية الإيرانية في أهم وأقوى الأحزاب السياسية والمليشيات العراقية ورجال حكومة بغداد، بل إيران أصبحت أكثر الدول استفادة من العراق في تصدير سلعها ومنتجاتها. باستثناء وضع كردستان العراق، فالعراق مُسيطر عليه من قبل إيران و«قم» ورجال الدين، فالمجتمع العراقي الشيعي في حالة عبودية للمذهب ورجاله، والجيش أصبح يشهد حضوراً لنفوذ إيران ونفوذ المليشيات الشيعية ورجال الدين مثل الحائري في قم إلى جانب مليشيا «حزب الله»، أيضاً، أموال العراق من النفط تعاني الفساد عبر قبضة وثراء النافذين السياسيين ورجال الدين مع خدمة التمدد الشيعي في المنطقة العربية والأفريقية وغيرها. ويمكن القول إن المشروع الشيعي المتمدد عبر بعض الدول العربية أصبح يخيف رجال السياسة الإيرانيين أنفسهم خاصة المعتدلين منهم، حيث أصبحوا لا يستطيعون الوقوف في وجه الحرس الثوري والمليشيات الشيعية ورجال الدين في قم، ومن الأهمية بمكان القول إن الغرب والولايات المتحدة، وبعضاً من أهم الدول العربية الفاعلة تدرك ماذا يعني أن تصبح إيران دولة نووية، هذا يعني أن التطرف الديني المذهبي ومليشياته مع الحرس الثوري سوف يدمرون أنفسهم والمنطقة باسم الموروث والأفكار الشيعية. فوضع العراق المعاصر وتبعيته لإيران والتدخل الإيراني بأذرعه الشيعية في الثورة السورية، ودعم «الحوثيين»، وتحكمها في لبنان، إلى جانب قدرتها على تحريك بعض الجماعات الشيعية في الدول الخليجية والعربية والإسلامية، فكل ذلك يمثل تحديات ومخاطر كبيرة تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعقد قمتها 37 اليوم في البحرين، فهذه المنظمة أصبحت أكثر حاجة وقرباً من وجود مؤسسات اتحادية للمؤسسات الأمنية والعسكرية لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى إمكانية مشاركة بعض الدول العربية، وذلك لا بد أن يكون مصحوباً بتعاون وتكتل اقتصادي، فنحن في فترة مفارقة لبروز أهمية أدوار الدول الإقليمية وإمكانية تشكيل تحالفات واتحادات تحفظ الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط. والخاتمة هنا صوتٌ ينادي الدول العربية والخليجية خاصةً بأن تسعى جاهدةً لفك وتحطيم أغلال التبعية العراقية لإيران بكل الوسائل الإعلامية والدبلوماسية مع دعم الوطنيين العراقيين بمختلف مذاهبهم وأيديولوجياتهم وكبح مخططات إيران وفلكها الشيعي في المنطقة العربية والإسلامية.