مرة أخرى تبرز أبوظبي بصفتها عاصمة عالميَّة لاستضافة أضخم الفعَّاليات الإقليمية والدولية، وتنظيمها، بما يبرهن بشكل متجدِّد على تميز الإمارة خصوصاً، ودولة الإمارات العربية المتحدة عموماً، بما تملكه من خبرة كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى المكانة المرموقة والثقة الكبيرة التي تحظى بها الإمارات من مختلف دول المعمورة وشعوبها؛ فقد جاء المؤتمر الدولي «الحفاظ على التراث الثقافي المهدَّد بالخطر»، الذي استضافته أبوظبي مؤخراً، ونظمته حكومتا كلٍّ من دولة الإمارات وجمهورية فرنسا، برعاية منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة «اليونسكو»، وحضره قادة وزعماء عدد من بلدان العالم، ليمثل شاهداً جديداً، لا على الموقع المميَّز الذي تتمتع به الإمارات على الخريطة العالمية فحسب، بل على الدور الريادي الذي تسهم به الدولة في دعم القضايا الإنسانية والثقافية والحضارية الملحَّة على مستوى العالم أيضاً. ولا شكَّ في أن النداء الذي وجَّهه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة- حفظه الله- خلال الجلسة الختامية لهذا المؤتمر الدولي، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي- رعاه الله- والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى كلِّ دول العالم بالتعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار، ومواجهة التطوُّرات الخطِرة في هذا المجال، وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة، ولا سيَّما آثار بعض الدول العربية التي عانت خطر العنف والإرهاب، مؤكداً أهمية النظر إلى هذه الآثار بصفتها تراثاً عالمياً مشتركاً لا يجوز التهاون في سرقته أو تهريبه أو نقله من أماكنه التاريخية، هو بمنزلة رسالة إماراتية إلى العالم تؤكد أن دولة الإمارات، التي يُشار إليها بالبنان بصفتها صاحبة تجربة استثنائيَّة في القدرة على الدمج بين أصالة الماضي، وحداثة الحاضر، وصناعة المستقبل، هي كذلك حريصة كلَّ الحرص على صون التراث العالمي؛ إدراكاً منها لأهميته في تطور البشرية بصفته المنهل الذي تنهل منه الأجيال المتعاقبة الدروس والعبر. وفي هذا الإطار لفت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن الاهتمام بالتراث الثقافي العالمي ليس مسؤولية مجتمع أو دولة بعينها فقط، وإنما هو مسؤوليَّة جميع الحكومات والشعوب في العالم؛ لكونه إرثاً إنسانياً تشترك فيه البشرية كلُّها، مؤكداً سموه أن احتضان دولة الإمارات هذا المؤتمر يدخل في إطار رؤيتها الحضارية وسياستها الحريصة على إيلاء جميع القضايا التي تهم البشرية عناية بالغة، ومضيفاً سموه أن دولة الإمارات أولت تراثها الثقافي أهمية كبيرة، ووضعت منظومة قوانين تهدف إلى حمايته من العبث والاندثار؛ لأنها تدرك أن هذا التراث الوطني يشكِّل رمزاً لهويتها وخصوصيتها الحضارية والثقافية والمجتمعية، التي شُكِّلت عبر الزمن، وركيزة أساسية نحو الانطلاق والعبور إلى المستقبل؛ إضافة إلى أن هذا التراث هو إثراء للتراث العالمي والفكر والحضارة الإنسانية. كما تعكس استضافة أبوظبي هذه التظاهرة الثقافيَّة العالمية ما تملكه الدولة من علاقات مميَّزة على الصعيد الدولي، إضافة إلى مدى حرص الإمارات على التعاون البنَّاء مع مختلف الجهات الدولية بما يصبُّ في مصلحة البشرية جمعاء. وفي هذا السياق قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «أعبِّر عن شكري وتقديري لفخامة الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، الذي أطلقنا معه مبادرة تنظيم هذا المؤتمر، وهذا ليس بغريب على أصدقائنا الفرنسيين الذين لم يدِّخروا أي جهد في سبيل دعم التراث والثقافة حول العالم». كما أشاد سموه بالدور الريادي الذي تؤديه منظمة «اليونسكو» في سبيل حماية كل المناطق الأثرية، والحفاظ على التراث البشري العالمي. إن النتائج المهمَّة، التي أفضى إليها هذا المؤتمر الدولي، بإصدار «إعلان أبوظبي» الذي تضمن تأسيس صندوق عالمي لحماية التراث الثقافي المهدَّد بالخطر في فترات النزاع المسلح، ويهدف إلى جمع 100 مليون دولار لتمويل عمليات التدخل العاجل لإنقاذ المعالم التراثية، ومكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار والتحف الفنية الثقافية، هو بلا شكٍّ ثمرة للجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات وسائر القائمين على المؤتمر، وانعكاس للعزم الدولي المشترك على توحيد الجهود بما يصب في حماية التراث الثقافي العالمي المهدَّد بالخطر. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية