يذكر مدير ورئيس الأبحاث في مركز «مارتينز» للدراسات الأوروبية في بلجيكا رولاند فرودستاين أنه من منظور القرن الحادي والعشرين، يصعب فهم العقلية التي استند إليها القادة الأوروبيون الذين وقفوا على بقايا الخراب الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية، وقرروا فوراً أنّ القارة الأوروبية بحاجة إلى تغيير. جاء التغيير من ثلاث جهات: من جهة كان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا يدركون ضرورة تكوين مفهوم جديد وجذري عن التعاون بين الشعوب الأوروبية، ومن جهة ثانية جاء جيل جديد شعر بالانتماء إلى الهوية الأوروبية أكثر منه انتماءً إلى هوية بلده (فرنسا أو ألمانيا... إلخ)، ومن جهة ثالثة كانت للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في تعاون وثيق بين دول غرب أوروبا من أجل مواجهة الاتحاد السوفييتي. كان قادة الدول الكبرى في القارة الأوروبية هم: روبير شومان من فرنسا، وكونراد أديناور من ألمانيا الغربية، والتشيدي دي غاسبري من إيطاليا. وعلى رغم اختلاف بلدانهم فإنّ تجارب عديدة تقاسموها كان لها أثر في تقارب وجهات نظرهم، لعلّ أهمها هو اختبارهم الحربين العالميتين الأولى والثانية، واعترافهم بأنّ أوروبا القديمة بصراعها الدائم العسكري والسياسي والاقتصادي، لا يمكنها أن تتواصل إذا ما أرادت مجتمعات القارة القديمة الانكفاء بخصوصياتها الثقافية. وبحلول القرن العشرين بكل تقدمه الفكري والعلمي، أصبحت أوروبا القديمة تشكّل خطراً على شعوبها. يقول فرودستاين إن التشابهات بين هؤلاء الرجال الثلاثة تعدّت هذه المسائل، إذْ كانوا ينحدرون من مناطق تشكّل جسوراً بين الانتماءات الوطنية، حيث كان شومان من الألزاس المتنازع عليها بين ألمانيا وفرنسا لقرون عديدة، فكان بالتالي يميل إلى كلتا الثقافتين. أمّا أديناور فكان من راينلاند التي عرفتْ برفضها للقومية البروسية الألمانية، وارتبطت ثقافياً ببلجيكا وفرنسا. وأمّا دي غاسبري فقد جاء من جنوب تايرول التي كانت تنتمي إلى إيطاليا تارة وإلى النمسا تارة أخرى. وهكذا، فقد تقاسموا معرفة أهمية الهوية الوطنية والانتماء إلى كيان أكبر هو أوروبا. وقد لعبت الحركات والمنظمات الشبابية دوراً كبيراً في تعبئة التأييد للمشروع الأوروبي، حيث لقيَت الحركات المعتدلة دعماً وتفضيلاً، وسعتْ بعض المنظمات الجديدة مثل «الفيدراليين الأوروبيين الشباب» إلى إزالة المعابر والحواجز كافة بين ألمانيا وفرنسا. وبشكل عام، فقد كان من السهل نشر الشعور بين الشباب بأنّ الدول الأوروبية القديمة كانت تنتمي إلى الماضي، وأنّ شكلاً جديداً من الاندماج قد نشأ. أخيراً يذكر الباحث الأميركي جوزيف براودي في ورقة عن دور الشباب الخليجي في مستقبل الاتحاد أنه يجب إطلاق مبادرة ثقافية لتطوير وترسيخ هوية خليجية موحّدة. فبدلاً من الحديث عن الحس الوحدوي (أنّ أبناء الخليج متشابهون)، تكون المبادرة متمثلة بسرد يعترف بفسيفساء الخليج: التنوع الاجتماعي، والطائفي والديني، العلاقات بالقوى الإقليمية (إيران والهند... إلخ)، والمظالم التاريخية التي حصلت إن وجدت، مع وضع أفكار للتطلّع إلى الأمام من أجل علاج آثارها. يكون هذا التعليم أساساً للمناهج التربوية في المدارس والنشاطات الشبابية والبرمجة الإعلامية وحتى الموسيقا والثقافة الشعبية. إنّ هذا المشروع المتعدد الأوجه حسب براودي سيمكّن الشباب الخليجي من تنمية شعور بالانتماء إلى هوية تفوق أية هوية في العالم العربي اليوم، وهي هوية ستسمح لهم بتجاوز الانقسامات المذهبية والعرقية من أجل بناء حياتهم معاً، حيث يجمعهم هدف مشترك. يجب أنْ تكون هناك مبادرات مكرّسة لتعليم التسامح وتقديم البديل المعتدل للأيديولوجية المتطرّفة. كما يجب إعادة النظر في بعض برامج قنوات الإعلام، التي تقدم محتوى سلبياً، واعتماد رؤية إعلامية ثقافية جديدة أساسها لغة التصالح والتسامح الإقليمي، وليس لغة الاستقطاب والكراهية.