يحتاج الجسم البشري إلى ما بين سبع إلى تسع ساعات من النوم يومياً، حتى يتمكن من الاستمرار في أداء مهامه العقلية بشكل جيد، ولكي يستطيع الحفاظ على وظائفه الحيوية ضمن نطاقها الطبيعي. ولكن يبدو أن جزءاً كبيراً من أفراد العديد من الشعوب والمجتمعات لا يحظى بهذا القدر من الراحة حالياً، ضمن شكل من أشكال فقر أو عوز النوم المزمن، وهو ما تنتج عنه تكلفة اقتصادية باهظة تقدَّر بمئات المليارات، وربما حتى التريليونات. وهذه الحقيقة أكدها تقرير صدر نهاية الأسبوع الماضي عن الفرع الأوروبي لبيت الخبرة والمؤسسة البحثية «راند أوروبا» (Rand Europe). حيث قدر التقرير أن قلة أو عوز النوم تكلف الاقتصاد الأميركي وحده نحو 1,2 مليون يوم عمل سنوياً، وبقيمة فاقد في الإنتاجية تبلغ 411 مليار دولار، أو ما يعادل 2,28 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي الوطني. وعلى المنوال نفسه، تكلف قلة النوم الاقتصاد الياباني نحو 600 ألف يوم عمل سنوياً، وبقيمة فاقد في الإنتاجية تبلغ 138 مليار دولار، أو ما يعادل 2,92 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي الوطني الياباني. وفي بريطانيا تبلغ تكلفة قلة النوم نحو 200 ألف يوم عمل سنوياً، وبقيمة فاقد في الإنتاجية تبلغ 50 مليار دولار، أو ما يعادل 1,86 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي الوطني البريطاني. وفي ألمانيا، تكلف قلة النوم الاقتصاد الألماني نحو 200 ألف يوم عمل سنوياً، وبقيمة فاقد في الإنتاجية تبلغ 60 مليار دولار، أو ما يعادل 1,5 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي الوطني الألماني. وفي كندا، تكلف قلة النوم الاقتصاد هناك نحو 80 ألف يوم عمل سنوياً، وبقيمة فاقد في الإنتاجية تبلغ 21,4 مليار دولار، أو ما يعادل 1,35 في المئة من مجمل الناتج الاقتصادي الوطني الكندي. وبحسبة بسيطة، نجد أن (متوسط) عدد أيام العمل المفقودة في الاقتصادات الخمسة سابقة الذكر هو 450 ألف يوم عمل سنوياً لكل منها، وبقيمة (متوسط) فاقد في الإنتاجية يبلغ 2 في المئة، وبتكلفة (إجمالية) تزيد على 680 مليار دولار سنوياً، لتلك الاقتصادات الخمسة فقط. وبناءً على هذه الأرقام، يمكن الاستنباط أن فقر أو عوز النوم، يكلف مجمل اقتصادات العالم أكثر من تريليون دولار سنوياً، وربما عدة تريليونات من الدولارات. وبوجه عام، يعتقد العلماء أن المجتمعات الإنسانية الحديثة، تعاني أزمة نوم عالمية بكل المقاييس، حيث أصبح جزء كبير من أفراد المجتمعات الحديثة يعاني نقصاً مزمناً من النوم، وهو ما يؤثر على الحالة الصحية، الجسدية والنفسية لهؤلاء الأفراد. ويعود السبب في هذه الأزمة إلى انتشار الإضاءة الصناعية، التي أصبحت تمكننا من الحركة وممارسة نشاطات عدة خلال ساعات الليل. وفي السنوات الأخيرة، أدى انتشار وسائل الترفيه، مثل أجهزة التليفزيون، ومؤخراً شبكة الإنترنت والهواتف الذكية وما توفرانه من ترفيه وتواصل اجتماعي، إلى الدفع تدريجياً بوقت الخلود للنوم إلى ساعات متأخرة أكثر فأكثر. وهذا التعارض والتضاد، بين ما يتيحه -أو يفرضه أحياناً- نمط الحياة الحديثة، وبين احتياجات الجسم البيولوجية، وتأدية بعض الوظائف الفسيولوجية أثناء فترة النوم، يعتقد كثيرون أنه يعد أحد أسباب انتشار الأمراض المزمنة حالياً بين أفراد الجنس البشري. وبالفعل أظهرت الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يعملون في وظائف تقتضي بقاءهم مستيقظين لوقت متأخر من الليل، أو الذين يعملون في نوبات عمل متغيرة الأوقات، مما يؤدي إلى اضطراب نمط نومهم بشكل دائم، يعانون معدلات أعلى من الإصابة بداء السكري، أحد أخطر الأمراض المزمنة التي يعانيها إنسان العصر الحديث. وبخلاف التكلفة الاقتصادية الباهظة، تحمل قلة النوم أيضاً خطراً صحياً داهماً، يتجسد في حقيقة أن من يحصلون على أقل من ست ساعات من النوم يومياً، تزداد لديهم احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة 13 في المئة، مقارنة بمن يتمتعون بقسط من النوم يتراوح ما بين سبع إلى تسع ساعات يومياً. ويوصي تقرير «مؤسسة راند» جهات العمل، بضرورة إدراك أهمية قلة النوم على أداء وإنتاجية الموظفين، وبضرورة تشجيع وحث العاملين على الحصول على قسط كافٍ من الراحة يومياً، وربما حتى تجهيز أماكن العمل بما يعرف بغرف القيلولة (nap rooms)، التي يمكن أن يلجأ إليها الموظفون أثناء ساعات العمل للاستغراق في إغفاءات قصيرة، مع تنبيههم إلى عدم الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية بعد ساعات العمل. وينصح التقرير أيضاً أفراد الأسرة، بالخلود إلى النوم، والاستيقاظ في الوقت نفسه، وممارسة الرياضة خلال اليوم، لتحسين كمية ونوعية النوم.