بين سابقة «أولاند» الرئاسية.. ومجازفة «رينزي» السياسية لوموند نشرت صحيفة لوموند أول من أمس افتتاحية بعنوان: «فرانسوا أولاند: الاعتراف بالفشل»، قالت في بدايتها إن الرئيس الفرنسي طيلة سنوات رئاسته ظهر مرتين فقط أمام الجمهور في موقف عاطفي مؤثر على المشاعر، الأولى في مساء يوم الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس في 13 نوفمبر 2015 حيث بدا منظره في التلفزيون متأثراً بعمق بحجم هذا الرعب. والثانية مساء يوم الخميس الماضي، 1 ديسمبر، حيث ظهر في حال مماثل لذلك وهو يعلن للفرنسيين عن قراره عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية وعدم التقدم في انتخابات 2017 الرئاسية، واكتفاءه فقط بالخمس سنوات التي تولى فيها رئاسة الجمهورية. وبالنسبة لرجل كان يعتبر محصناً ضد المحن السياسية، يفترض أن تكون دوافع قرار مصيري، سياسي وشخصي، كهذا قوية إن لم تكن خارجة عن السيطرة من الأساس. ويدرك الرئيس أولاند بكل تأكيد أن قراره هذا يعد سابقة في حد ذاته، في تاريخ الرؤساء طيلة عقود الجمهورية الخامسة. إذ لم يسبق مطلقاً لأي رئيس فرنسي طيلة عهد الجمهورية الخامسة أن أحجم عن التقدم للحصول على فترة ولاية رئاسية ثانية. وباستثناء جورج بومبيدو الذي توفي أثناء ولايته الرئاسية، كان جميع أسلاف أولاند في قصر الأليزيه طيلة عهد الجمهورية الخامسة، منذ قرابة ستين عاماً، قد تقدموا للانتخابات في نهاية فترة ولايتهم الرئاسية الأولى. فقد ترشح الجنرال ديغول في 1965، وفاليري جيسكار ديستان في 1981، وفرانسوا ميتران في 1988، وجاك شيراك في 2002، ونيكولا ساركوزي في 2012. وقد هزم اثنان منهم هما ديستنان وساركوزي ولم ينالا فترة ولاية رئاسية ثانية، في حين فاز الثلاثة الآخرون في انتخابات الفترة الثانية، ولكن الجميع ترشحوا على كل حال، وآنسوا من أنفسهم القدرة على التقدم من جديد أمام الفرنسيين، وسعوا لإقناعهم بأن مهمتهم الرئاسية تستحق الاستمرار. وهذا هو ما يجعل قرار أولاند عدم التقدم سابقة سياسية، وحدثاً عميق الدلالة والمعنى، أقله لجهة الاعتراف بالفشل وعدم بلوغ الأهداف التي انتخبه الفرنسيون في 2012 على أساس الوعد بإنجازها. ولا أحد طبعاً يشك، تقول الصحيفة، في أن الرئيس الحالي كان يرغب في البقاء في قصر الأليزيه، وقد أعطى هو نفسه الانطباع بذلك في مرات كثيرة، ولذا يبدو أنه قد اضطر لاتخاذ قرار الانسحاب من السباق لظروف لا سبيل للاتفاف حولها. واعتبرت لوموند أن قرار أولاند يمثل اعترافاً صريحاً بالفشل، الشخصي والسياسي، وقد شهدت فترة رئاسة أولاند لحظات صعبة، ففضلاً عن التدخل العسكري الفرنسي في مالي في 2013، مثلت أيضاً الهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية في 2015 و2016 أوقاتاً عصيبة، وبغض النظر عن مدى ذكائه وتصميمه، فقد ظل الرئيس «العادي» فرانسوا أولاند غير قادر على تقديم رد فعل بحجم التحدي، على نحو يملأ عيون الفرنسيين ويقنعهم في النهاية. وزيادة على هذا دخلت شعبية أولاند أيضاً في حالة سقوط حر ووصلت إلى هاوية لا قرار لها، وقد أدى الإخفاق الاقتصادي، والاجتماعي، إلى مفاقمة تراجع الشعبية الكبير الذي وجد الرئيس نفسه مضطراً للاعتراف حياله بالفشل، وقد عبر عن ذلك مراراً وتكراراً حتى في خطاب يوم الخميس الماضي الذي أعلن فيه عدم الترشح، حيث تحدث صراحة عما اعتبره أخطاء وأوجه تأخر في تنفيذ سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ولا أحد يجهل الآن حجم الضغط الهائل الذي يمثله بالنسبة للرئيس هرم معدلات البطالة المتفاقمة، وقد زاد عدد الباحثين عن العمل منذ سنة 2012 بما لا يقل عن 550 ألفاً، وهو رقم كافٍ في حد ذاته لإدانة أولاند بالفشل الذريع، تقول الصحيفة. والحاصل أن سياساته تكشّفت عن إخفاق سياسي غير متنازع عليه، وقد عجز عن ترجمة وعوده للفرنسيين عندما اختاروه للرئاسة. ولذا فإن إعلانه رفع الراية البيضاء وعدم الترشح يمثل محاولة لتفادي السيناريو الأسوأ، وهو أن يترجم تراجع شعبيته إلى انفضاض أسرته السياسية من حوله ورفضها ترشيحه. وقد أخفق أولاند أيضاً في الحفاظ على أغلبيته اليسارية وزاد الشرخ والشقاق بين تياراتها وحتى داخل حزبه الاشتراكي الذي رفع بعض قادته قفاز التحدي في وجهه، وصاروا ينتقدونه علناً ودون أدنى تحفظ. والآن يمثل انسحابه من سباق الترشيح محاولة أخيرة للحفاظ على وحدة صفوف الحزب الاشتراكي واليسار التقدمي بصفة عامة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا يخرج الحزب من الشوط الأول في الانتخابات الرئاسية المقبلة كما وقع سنة 2002 ليجد الفرنسيون أنفسهم أمام صدمة وصول اليمين المتطرف ممثل في الجبهة الوطنية إلى الشوط الثاني. ويأمل الاشتراكيون واليسار الفرنسي، بصفة عامة، أن تمثل تضحية أولاند هذه بادرة سياسية شجاعة من شأنها التأسيس لبداية مصالحة بين الناخبين وبين الحزب الاشتراكي، بما ينعكس إيجاباً على فرص مرشح الحزب في رئاسيات العام المقبل. لوفيغارو ضمن تغطيات صحيفة لوفيغارو للحملة الانتخابية في إيطاليا قالت إن الاستفتاء الذي ينظم هناك اليوم حول حزمة إصلاحات دستورية يقترحها رئيس الوزراء ماتيو رينزي، من شأنه أن ينعكس بشكل مصيري على رئيس الحكومة ومستقبله السياسي، وذلك بالنظر إلى حدة الحملة المشحونة التي دخلت مرحلة الصمت الانتخابي منذ مساء يوم الجمعة، أول من أمس، استعداداً لعملية الاقتراع اليوم، حيث سيتوجه 46,7 مليون ناخب إيطالي إلى صناديق الاقتراع للموافقة على التعديلات الدستورية أو ورفضها. وتقترح حكومة رينزي تعديل 47 مادة من مجموع الـ139 مادة في دستور 1948. وتهدف التعديلات إلى تقوية دور مجلس الشيوخ والجمعية الإقليمية. واعتبرت الصحيفة أن إقدام رئيس الوزراء الإيطالي على تنظيم هذا الاستفتاء لا يخلو من مجازفة، وفي الواقع فقد رهن مستقبله السياسي بما ستتكشّف عنه صناديق الاقتراع، وهو ما قد يذكّر بالمآل الذي انتهت إليه مجازفة ديفيد كاميرون بتنظيم استفتاء «البريكسيت» البريطاني. واليوم والناخبون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع تخيم أجواء ثقيلة من عدم اليقين المطبق على سماء إيطاليا، حيث أشارت استطلاعات رأي منذ خمسة عشر يوماً إلى تقدم بنسبة خمس نقاط لصالح معسكر «لا» الرافض للتعديلات، وإن كان معظم الاستطلاعات يشير أيضاً إلى تقارب كبير بين كفتي كلا المعسكرين، المؤيد والمعارض، لتعديلات رينزي. وفي سياق متصل بالاستفتاء الإيطالي نشرت لوفيغارو أيضاً مقالاً لمانون مالير تحت عنوان: «الإيطاليون المحبطون يريدون قلب النظام»، ركز فيه على إظهار حجم النقمة والاستياء في صفوف جمهور الناخبين الإيطاليين تجاه الطبقة السياسية بكافة أطيافها وقادتها سواء في ذلك رينزي أو برلسكوني أو غيرهما من زعامات سياسية، وقد انعكس الموقف من هذه النخب بوضوح خلال أطوار الحملة الانتخابية التي طغت عليه نبرة شعبوية، وأجواء من الرفض، وقد استقطبت «حركة 5 نجوم» الشبابية الرافضة لتقاليد وبرامج التسييس التقليدي كثيراً من التأييد والاهتمام الشعبي، وهو ما يرجح أن تأتي نتائج الاقتراع عقابية، بحيث تمثل بداية صعود لتيارات جديدة في المشهد السياسي الإيطالي. ليبراسيون الأكاديمي سيرج جروزنسكي، كتب في صحيفة ليبراسيون اليسارية مقالاً بعنوان: «التاريخ ضد ترامب، وفيون والآخرين»، انتقد فيه ما اعتبره الآن صعوداً لليمين والنزعات المحافظة، وأحياناً الانعزالية، في العديد من الدول الغربية، ابتداء من نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وحتى ما تكشفت عنه حملة ترشيحات اليمين الفرنسي التي وقع فيها الاختيار على رئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون ليكون مرشح اليمين التقليدي الفرنسي لرئاسيات العام المقبل. وقال الكاتب إن أول نتيجة ترتبت، ضمناً، على نتائج الانتخابات في أميركا كانت صعود الصين تلقائياً لتصبح هي القوة الاقتصادية العالمية الأولى بدلاً من بلاد «العم سام». وفي الظروف الراهنة التي يمكن أن تنكفئ فيها أميركا على نفسها، وفي وقت تنسحب فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتتغول نزعات اليمين المحافظ ومقولات الحمائية في العديد من الدول الأوروبية، يبدو الاتجاه العام مناهضاً للانفتاح والعولمة وفتح الحدود. في حين ترتفع الخطابة الشعبوية الداعية لبناء الجدران والأسوار والحد من الانفتاح ومقاومة حركة العولمة وهي كلها رهانات يتعذر الفوز بها، في النهاية، بحكم المكاسب الهائلة التي حققتها العولمة وحرية المبادلات للشعوب على صعيد العالم، وأيضاً لأن نزعات الانكفاء تقف الآن بوضوح في الاتجاه المعاكس تماماً لمسار عجلة التاريخ. إعداد: حسن ولد المختار