من دون نقاش أو تصويت حقيقي، مرّر مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي، على حين غفلة، قانوناً خطيراً ومزعجاً قدمه السيناتور الجمهوري «تيم سكوت» ونظيره الديمقراطي «بوب كاسي». ويلزم القانون، الذي أطلق عليه اسم «قانون إدراك معاداة السامية لعام 2016» (أأأ)، أو قانون «سكوت- كاسي»، وزارة التعليم بتطبيق تعريف وزارة الخارجية لمعاداة السامية في تقييم شكاوى التمييز في حرم الجامعات الأميركية. وتعريف وزارة الخارجية وتوجيهاتها بشأن معاداة السامية وُضعت من أجل مساعدة المسؤولين الأميركيين على مراقبة معاداة السامية في الخارج. ولم يكن المقصود منها أبداً أن تطبق من أجل فرض رقابة شرطية على الخطاب في حرم الجامعات داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها. وعند وضعها للتعريف وللتوجيهات، تبنت وزارة الخارجية اللغة المستخدمة من قبل مركز الاتحاد الأوروبي لمراقبة العنصرية ورُهاب الأجانب. و«معاداة السامية هي تمييز محدد ضد اليهود، ويمكن أن يتم التعبير عنه باعتباره كراهية تجاه اليهود، وبالتصريحات المادية واللفظية بمعاداة السامية التي توجه ضد الأفراد اليهود أو غير اليهود، أو ممتلكاتهم أو مؤسسات المجتمع اليهودي، والمؤسسات الدينية». وهذا الوصف لمعاداة السامية صحيح في رأيي، كأمثلة معاصرة متعددة على معاداة السامية المذكورة في توجيهات وزارة الخارجية، بما في ذلك: «اتهام اليهود، كأشخاص، بأنهم مسؤولون عن اقتراف أخطاء حقيقية أو متصورة اقترفها شخص أو مجموعة من اليهود، أو الحكومة الإسرائيلية، أو حتى أعمال اقترفها غير يهود»، أو «افتراء مزاعم كاذبة أو غير إنسانية أو تمييزية ضد اليهود، أو قوة اليهود بصورة جماعية»، وهذه وغيرها من النماذج المذكورة في توجيهات وزارة الخارجية تنطوي على معاداة للسامية بصورة موضوعية وكأخطاء واضحة. غير أن توجيهات وزارة الخارجية الأميركية «تحيد عن المسار» عندما تحاول توسيع المفهوم ليشمل «معاداة السامية ذات الصلة بإسرائيل»، مستشهدة بنماذج وخطابات تُشيْطن أو تنزع الشرعية عن إسرائيل، أو تستخدم ازدواجية المعايير تجاهها. والمثال الموضح لتطبيق «ازدواجية المعايير تجاه إسرائيل» هو «طلب تصرف (من إسرائيل) ليس متوقعاً أو مطلوباً من قبل أي دولة ديمقراطية أخرى». وبهذا التوسيع لتعريف معاداة السامية، تصبح التوجيهات غير موضوعية وتفتح الباب أمام انتهاك خطير من قبل أولئك الذين يستخدمونها لإسكات الانتقادات الموجهة ضد إسرائيل. وهذه اللغة غامضة ومفتوحة على التفسيرات إلى درجة أنه عندما تعرض مجلس أوصياء جامعة كاليفورنيا لضغوط من أجل استخدام توجيهات وزارة الخارجية الأميركية في حرم الجامعة، اعترض أحد واضعي تعريف «مركز الاتحاد الأوروبي لمراقبة العنصرية ورُهاب الأجانب» لمعاداة السامية، مشيراً إلى المخاطر التي ستمثلها تلك التوجيهات على حرية التعبير، قائلاً: «إن تقديس تعريف وزارة الخارجية في حرم الجامعة هو فكرة خاطئة ستجعل الأمور أشد سوءاً، ليس فقط بالنسبة للطلاب اليهود، ولكنها ستقوض أيضاً قيم الجامعة بأسرها». وفي تصريحاتهما المقتضبة عند طرح القانون، عرضه عضوا مجلس الشيوخ باعتباره محاولة لحماية الطلاب اليهود من المضايقات المعادية للسامية. وتحدثا عن قصص حول عيش الطلاب اليهود الموالين لإسرائيل في خوف داخل الحرم الجامعي. ومن المثير للاهتمام أنه عندما حققت وحدة الحقوق المدنية التابعة لوزارة التعليم في تقارير انتشار معاداة السامية التي أرست بيئة معادية في حرم الجامعة، توصلت الوحدة إلى أن تلك المزاعم واهية، ولا أساس لها. وإذا كان هذا القانون خطيراً وغير ضروري، فلماذا إذن قدمه كل من «سكوت» و«كاسي»؟ ولماذا اندفعا إلى تمريره من دون نقاش أو حوار؟ من خلال قراءة «المسودة» التي أرفقها «سكوت» و«كاسي» بقانونهما يتضح الغرض السياسي الفاسد من وراء القانون، وهو إسكات الحركات والأنشطة الطلابية في حرم الجامعات، ولاسيما المنتقدة لإسرائيل، وخصوصاً حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات». وفي هذا السياق، لا يعتبر قانون «أأأ» سوى امتدادا لجهود تشريعية أخرى في الكونجرس، وبحسب أحدث إحصاء، فثمة 22 تشريعاً على مستوى الولايات إما لحظر أو تجريم الكيانات أو الأفراد الذين يشاركون في أي شكل من أشكال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد إسرائيل. وبالطبع، يعتبر ذلك خطأ فادحاً على كثير من المستويات، إذ ينطوي على تدخل غير ملائم من قبل الحكومة الأميركية في نقاش ضروري يجري داخل حرم الجامعات، من شأنه مساندة طرف، وتهديد طرف آخر حال تجاوزه حداً اعتباطياً مبهماً. وجلّ هذه الجهود تخبر الطلاب الفلسطينيين واليهود التقدميين بأنه ستتم مراقبة خطابهم، وبأنهم قد يتعرضون لعقوبات. وعلى سبيل المثال فإذا وصف الطلاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأنه «وحش» أو اتهموه والجيش الإسرائيلي بارتكاب «هجوم بربري على قطاع غزة»، فهل سيتم اتهامهم ب«الشيطنة»؟