برحيل فيدل كاسترو عن عالمنا هذا يكون العالم قد ودّع آخر عمالقة السياسة في العالم النامي في القرن العشرين، فقد كان كاسترو ضمن مجموعة من قادة دول العالم النامي الذين رهنوا أنفسهم للتصدي للهيمنة الغربية الرأسمالية على مقدرات العالم، خاصة دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهي مجموعة أسماء لامعة من ضمنها الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروس تيتو والرئيس الإندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو، وفيدل كاسترو. إن قادة من قبيل هؤلاء لن يرى العالم النامي لهم مثيلا في القريب، ساهموا كثيرا في نصرة قضايا شعوبهم وشعوب الدول الفقيرة قاطبة، وكانت لأدوارهم آثارها على مسارات جميع الدول المستعمرة من قبل الدول الغربية أدت في نهاية المطاف إلى تحرر تلك الدول من نير الاستعمار والسيطرة الأجنبية. بالنسبة لتيتو بالتحديد كان للأدوار التي لعبها تأثيرها على مستوى علاقات الاتحاد السوفييتي السابق بالولايات المتحدة الأميركية أثناء الحرب الباردة، خاصة بالنسبة لقضية خليج الخنازير التي كاد العالم يشهد فيها مواجهة عسكرية ساخنة بين العملاقين العالميين، ربما لو وقعت أثناءها الحرب لكان العالم قد دخل الحرب العالمية الثالثة باكراً، فقد أرسل الاتحاد السوفييتي آنذاك مجموعة من قطع أسطوله التي كانت تحمل صواريخ قادرة على حمل الأسلحة النووية إلى المياه الكوبية القريبة جداً من حدود الولايات المتحدة، فكان رد الرئيس الأميركي آنذاك جون كيندي صارماً وقاطعاً، جعل العالم يحبس أنفاسه خشية وقوع الحرب. وبالإضافة إلى ذلك كان لكاسترو أدوار لعبها في حشد دول أميركا الجنوبية للوقوف ضد مصالح الولايات المتحدة فيها. إن مثل هذه الأمور هي التي جعلت سياسيي الولايات المتحدة خاصة اليمين المتطرف منهم، ينظرون إلى كاسترو على أنه العدو الأول للولايات المتحدة ويصفونه وينعتونه بشتى الأوصاف والنعوت التي وصل البعض منها إلى حد المبالغة في تصوير شخصية كاسترو. لكن النظرة الواقعية المقابلة هي أن كاسترو كان داعية سلام عالمي، وإن كان ذلك بطريقته الخاصة التي انعكس تأثيرها في الكيفية التي كان يتحرك بها في معاركه ضد الهيمنة الغربية التي كان يصفها بالإمبريالية الجشعة. كاسترو ضغط طوال حياته على العالم الغربي من خلال كافة المنابر العالمية التي كان يلقى من خلالها خطبه النارية ضد كافة أنواع الاستعمار والسيطرة والجشع التي كانت دول الغرب تمارسها ضد دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وهو لم يكتف بالخطب وحدها لكنه في كثير من الحالات قام بتقديم المساعدات المالية والعسكرية إلى معظم إن لم يكن جميع حركات التحرر في العالم النامي إلى درجة أنه أرسل قوات كوبية للحرب إلى جانب بعض تلك الحركات، خاصة ما حدث في أنجولا على سبيل المثال. لقد قضى كاسترو، لكنه سيبقى إلى أمد طويل شخصية سياسية - ثورية مثيرة للجدل والنقاش. فاليمين المتطرف في الولايات المتحدة سيبقى ينظر إليه على أنه شخصية عدائية تحمل للرأسمالية الغربية بالطريقة التي تعمل في الولايات المتحدة كل معاني العداء والبغض والكره، في نفس الوقت الذي ستبقى فيه العديد من شعوب دول أميركا اللاتينية وشعوب دول العالم النامي تنظر إليه على أنه شخصية ثورية فذة، فريدة في فكرها وتطلعاتها نحو حرية الإنسان وتحرر الأوطان في العالم النامي. ونظرة شعوب العالم النامي هذه إلى كاسترو تنطلق من أنه كان يحمل فكراً كانت له معانيه وخصوصيته لدى تلك الشعوب لأنه ألهمها الثورة وعدم الخنوع والتطلع إلى الحرية وتحقيقها لذاتها من خلال العمل الجاد والثورة والمواظبة على نبذ كل ما يزرعه المستعمرون فيها من قيم هي في واقعها ضد مصالحها الوطنية، وتطلع أوطانها إلى التحرر من الهيمنة الأجنبية والتقدم وتحقيق التنمية الاقتصادية بعيداً عن براثن الاستعمار بكافة أشكاله وألوانه ووسائله.