يفترض الآن أن تكون أول مرة تطأ فيها أقدامُ إنسان أرضَ المريخ في يوم الأحد الموافق 2 من أغسطس من عام 2048، أي بعد 32 عاماً! ولكن من يزعم ويقرر هذا؟ هذا ما يقوله العالم الألماني أولريش والتر 62 عاماً في كتابه الذي صدر في 17 نوفمبر المنصرم بعنوان «في الثقب الأسود». والرجل حجة في علم الفلك، ويرأس معهد تقنية رحلات الفضاء في جامعة ميونيخ، كما مكث في الفضاء لمدة عشرة أيام في رحلة كولومبيا عام 1993، وهناك في أجواء الرحلة خرج برؤى جميلة عن استعمار المجرة، كما فعل رجال «البولينيز» في استعمار جزر المحيط جيلًا بعد جيل، وهو ما حرك المخيلة عند المؤرخ توينبي في فهمه لسير الحضارات ولغز التماثيل في جزيرة الفصح «إيسترن آيلند». والفلكي «والتر» يذكر هذا في معرض أنباء الكارثة التي حلت بالمكوك الفضائي الذي حمل اسم العالم الإيطالي «شياباريللي»، صاحب نظرية أقنية المريخ التي روج لها في عام 1877، وتبين أنها لا تزيد عن خيالات، حيث حام المكوك حول المريخ، وفي رحلة هبوطه على ظهر الكوكب تعطلت فرامل صواريخ الدفع المضاد، فهوى مثل حجر على ظهر المريخ في شهر أكتوبر الماضي. ويعزي ما حدث إلى خطأ في البرمجة، ولكنه أمر لن يثني أو يحجم وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عن إرسال متجول (ROVER) عام 2020، ليتحرّى آثار الحياة على ظهر الكوكب الأحمر الغاضب! وهذه المرة لن ينزل من علو 3 كلم كما كان الحال مع المكوك «شياباريللي» بل من علو شاهق يمكن التحكم فيه على نحو أفضل بفرامل التحكم «صواريخ دفع مضاد كما أشرنا». ومن الجدير بالذكر أن الأميركيين يخططون لإرسال أول إنسان إلى المريخ عام 2030، ويعلق الفلكي الألماني «والتر» أنه متأكد أن البعثة لن تتم، وهو يحدد أفضل وقت للقاء المريخ، حيث يكون أقرب ما يمكن من الأرض على نحو تختصر فيه المسافة والطاقة والزمن إلى النصف، فيصل رائد الفضاء في الرحلة عبر 375 مليون كلم خلال 114 يوماً بدل ستة أشهر، وهو للصحة والمزاج أفضل ما يمكن والرواد يسبَحون في الليل البهيم، وسيكون هبوطهم في يوم 2 من أغسطس الساخن بعد 32 سنة. وينبه العالم الفضائي الألماني إلى أن هذا الاقتراب بين الأرض والمريخ يحدث كل 15 عاماً، ومن هنا فإنه يجب أن تنطلق الرحلة تماماً في 11 أبريل من عام 2048. وهناك عنصر مهم أيضاً في الرحلة وقاية للرواد من حيث تعرضهم لنار الأشعة الكونية مما قد يفجر في أجسادهم أوراماً غير حميدة، ويقترح في هذا أن يكون الرواد متقدمين في العمر، ولذا يقول صاحبنا، على سبيل المزاح، وقد دخل في عمر الستين، إن سنه ستكون مناسبة لتلك الرحلة وقد شارف على التسعين فلا خوف من سرطانات في الجلد أو الحلق! ولن تكون الرحلة سهلة لا في البدء ولا في النهاية، ولا في الوسط، فعليهم بعد الوصول الاستقرار سنة ونصف سنة هناك، قبل أن يشدوا عصا الترحال في رحلة العودة إلى الأرض، وعليهم أن يتزوّدوا من الكوكب الأحمر من الأوكسجين والطاقة بما يمكنهم من القفول نحو الأرض مجدداً، فليس من سبيل لحمل ما ثقل في رحلة الانطلاق. أما في ملامسة مناخ الأرض وهم يطيرون بسرعة 51 ألف كلم في الساعة، فأمامهم عقبة ليست بالسهلة، ستطيح بهم ارتداداً إلى القمر أياماً قبل أن يدخلوا مناخ الأرض الأم من جديد. أما عن إحياء هذا الكوكب الميت الأحمر فأمام الجنس البشري مراحل تعد بمئات السنين في حساباتنا الأرضية، من ضخ الأوكسجين من خلال استنبات أعشاب ونباتات، تمنح كوكب الحرب هدوءاً بنفحة من غاز الأوكسجين، قبل الانتقال لمرحلة العيش الهنيء فيه، وهي ضرورة أمام أخطاء البشر التي لا تنتهي، وهم يدمرون هذا الكوكب مناخاً وبالسلاح الذي -لو استخدم- لن يبقي ولن يذر ولن تقوم بعده للبشر قائمة.