جاءت وفاة الزعيم الكوبي السابق فيديل كاسترو في الخامس والعشرين من نوفمبر المنصرم، عن عمر يناهز التسعين عاماً، قبل أسابيع فحسب من تقلد المرشح الفائز دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. فماذا سيعنيه هذا بالنسبة إلى العلاقات الأميركية الكوبية، لا سيما بالنظر إلى المعارضة التي تبديها العديد من الدوائر داخل الحزب الجمهوري لجهود التقارب التي ظل يبذلها الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما تجاه كوبا وإعادة إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع هافانا؟ الانتقاد الرئيس الذي يوجه إلى سياسة أوباما الكوبية، هو أن هذه السياسات لم تفعل شيئاً في سبيل تحسين الحقوق الأساسية للمواطنين الكوبيين، خاصة المعتقلين في سجون كاسترو، ولا فيما يتعلق بالطابع الاستبدادي المستمر لهذا النظام الذي ظل خلال العشر سنوات الماضية تحت سيطرة شقيق فيديل الأصغر، راوول كاسترو. ترامب ألمح إلى أنه إذا لم تقم الحكومة الكوبية بإرخاء قبضتها الحديدية على البلاد، فإن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادته ستعمد إلى تجميد العلاقات الثنائية، بل وقد تذهب إلى حد التخلي عن بعض التغييرات التي جاءت بها إدارة أوباما في هذا الشأن، مثل رفع الحظر عن سفر الأميركيين إلى كوبا. بيد أن قراراً من هذا القبيل يمكن أن يولد قدراً كبيراً من مشاعر الغضب في العديد من الأوساط، لا سيما بين الأميركيين الكوبيين الشباب في ولاية فلوريدا. التحدي الذي يواجهه ترامب هنا يكمن في حقيقة أن بعض الدوائر الجمهورية، التجارية منها بصفة خاصة، تنظر إلى كوبا باعتبارها سوقاً مهماً ممكناً لمليارات الدولارات من المنتجات الأميركية، مثل الزراعة والسياحة. وعلاوة على ذلك، فإن عدداً متزايداً من الشباب الأميركي المنحدر من أصول كوبية لم يعد يرغب في مقاطعة بلد آبائهم وأجدادهم. ولعل المفارقة الكبيرة هنا هي أن شركات ترامب نفسه كانت تدرس بجدية، في وقت من الأوقات عام 1998، إمكانية إنشاء منتجع سياحي في كوبا على الرغم من أن ذلك كان مخالفاً للقوانين الأميركية وقتئذ. وبغض النظر عن السياسات التي سينتهجها ترامب في نهاية المطاف، فإن الأسابيع المقبلة قد تشهد ازدياداً كبيراً في الهجرة من كوبا إلى الولايات المتحدة، وذلك على اعتبار أن الكثير من الكوبيين الذين يرغبون في القدوم إلى الولايات المتحدة يخشون أن تصبح الهجرة إليها أكثر صعوبة بعد تطبيع العلاقات بين البلدين، وذلك بسبب القوانين الأميركية المتساهلة جداً التي تعامل الكوبيين منذ عام 1966 باعتبارهم لاجئين فارين من دولة شيوعية معادية ومستبدة، والتي تجعل من السهل عليهم تسوية أوضاعهم في الولايات المتحدة وجعلها قانونية مقارنةً مع حالة ملايين المهاجرين غير الشرعيين من بلدان أميركية لاتينية أخرى. بيد أن قضية كوبا ستكون واحدة فقط من القضايا الكثيرة التي سيتعين على ترامب أن يتعامل معها خلال الأيام الأولى لإدارته. فهل سيفي بالتعهد الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية حين وعد بالتخلي عن «قانون الرعاية الرخيصة» المعروف أيضاً باسم «أوباما-كير»، الذي شهد ازدياداً في الإقبال عليه خلال الأشهر الأخيرة، أم سيكتفي فقط بإدخال بعض التعديلات الطفيفة التي لا تمس جوهر القانون وتبقي على البنود التي تجذب معظم الناس إليه، مثل الحق في الاستفادة من تأمين صحي حتى بالنسبة إلى الأشخاص الذين كانت لديهم ظروف صحية سابقة؟ ثم ماذا عن الاتفاق النووي الإيراني، الذي حاربه الجميع في المعسكر الجمهوري، قائلين إنهم يرغبون في إعادة التفاوض حوله أو إلغائه؟ هذا الأمر من شأنه أن يواجه معارضة قوية من حلفاء أوروبيين رئيسين، ومن الأمم المتحدة أيضاً، وربما روسيا والصين كذلك. ترامب كان قد أشار أيضاً إلى أنه يعتزم الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والتي بلغ عدد الموقعين عليها اليوم 200 بلد. والحال أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تمثل تخلياً عن زعامة الولايات المتحدة للعالم، وتثير تنديدات معظم البلدان، وتترك الصين باعتبارها قوة عالمية ذات أجندة عالمية بحكم الواقع. والحقيقة أنه لن يكون بوسعنا أبداً الجزم بشأن ما سيقوم به ترامب وكيف سيحكم البلاد قبل أن تصبح لدينا رؤية واضحة للأشخاص الذين سيصبحون اللاعبين الرئيسين في إدارته. غير أن المؤشرات حتى الآن تشير إلى أنه يحب أن يدفع الأشخاص الذين في فريقه إلى التخمين، ويشجع المواجهات بين موظفيه، وذلك في تباين حاد مع أسلوب أوباما الذي كان يسعى دائماً وراء التوافق بين أعضاء الفريق ويعارض «صراعات الأجنحة». وعليه، فلا شك أن المئة يوم الأولى من إدارة ترامب ستكون مثيرة للاهتمام جداً!