بين انتخابات «اليمين» التمهيدية.. ومستقبل العلاقات الأميركية الروسية لوموند نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «فيون- جوبيه، سياسة، وطريقتان»، خصصتها للحديث عن أوجه الالتقاء وأوجه الافتراق في رؤية متنافسي الانتخابات التمهيدية على مستوى اليمين الفرنسي التي ستدخل اليوم، الأحد، مرحلة الحسم، باختيار واحد من رئيسي الوزراء السابقين هذين، لترشيحه باسم اليمين الجمهوري في رئاسيات 2017. وقد وصل هذا المترشحان إلى مرحلة الدور الثاني بعد إقصاء بقية منافسيهم اليمينيين الآخرين، وأبرزهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. واليوم يواجه المتسابقان لحظة الحقيقة والحسم، وسيخرج واحد منهما فائزاً، ومرشحاً رئاسياً بعد حرب داخلية مزقت صفوف «الجمهوريين»، وأظهرت خلال المناظرات الانتخابية التمهيدية مدى بعد الشقة بين قادتهم المترشحين. ويتقدم المشهد الانتخابي اليوم رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون، المتصدر لاقتراع الدور الأول في صفوف اليمين، وهو يرفع مقاربة تبدو هي الأقرب إلى المقولات التقليدية لليمين الفرنسي، ولعل ذلك أحد أسباب فوزه في الشوط الأول، بعد أن كان بعض استطلاعات الرأي يضعه في الترتيب الرابع، في مفاجأة انتخابية أخرى تسجل هي أيضاً في هذا العام المليء بالمفاجآت الانتخابية من نتيجة «البريكسيت» إلى نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية. واعتبرت الصحيفة أن هذين المرشحين، فرانسوا فيون وآلان جوبيه، لا تنقص أياً منهما الخبرة ولا القدرة على الإقناع، فقد شغل كل منهما منصب الوزير الأول -رئيس الوزراء- من قبل، كما أن كلاً منهما يدرك في قرارة نفسه أيضاً أن من سيحظى بتزكية اليمين الجمهوري ويذهب إلى السباق الرئاسي باسمه، سيواجه تحدياً مزدوجاً ليس فقط في مواجهة مرشح اليسار الاشتراكي الحاكم، وإنما أيضاً، وهو الأخطر، في مواجهة تحدي ركوب مرشحة اليمين المتطرف زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن لموجة استياء الشارع الفرنسي من الطبقة السياسية التقليدية، ومن أداء الاقتصاد وتحديات الأمن، هذا فضلاً عن الحماس الذي يجتاح أنصار اليمين المتطرف وتصورهم أن في مقدورهم هم أيضاً تحقيق مفاجأة كبرى بالفوز في الرئاسيات ودخول قصر الأليزيه. وفوق هذا، هنالك أيضاً تحدٍّ سياسي داخلي آخر، هو ملء الفراغ السياسي الذي تركه الرئيس السابق ساركوزي، إذ من المعروف أن كل سجالات اليمين طيلة الخمس عشرة سنة الماضية كان ساركوزي ينعشها دائماً ويؤثر في اتجاهها العام بشكل كبير، والآن وقد خرج الرئيس السابق، بات السباق على الترشيح وعلى الزعامة، يفرض وضع قواعد لعبة وأدبيات ومقولات لليمين الجمهوري، على نحو يقنع عامة الفرنسيين بمصداقية المرشح واليمين ككل. والحال، أن المواجهة بين فيون وجوبيه مهمة وكاشفة لناخبي اليمين الذين سيدلون بأصواتهم اليوم، الأحد، وأيضاً لعامة الفرنسيين بالمفهوم الأعرض، لأنهم سيختارون رئيس جمهورية جديداً في غضون خمسة أشهر تقريباً من الآن. وذلك لأن المناظرات ومجمل طرح كلا المرشحين خلال حملته يسمح بقراءة اتجاهه العام، والسياسات التي ينوي اتباعها في إدارته لشؤون البلاد في حال فوزه، خاصة ما يتعلق منها بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يقترحها ضمن حزمة الحلول لمشكلات الفرنسيين المؤرقة والمزمنة. وفي هذا السياق، يعد كل من المرشحين بخفض الإنفاق العام بقرابة مئة مليار يورو خلال خمس سنوات، وإعادة إنعاش معدلات النمو الاقتصادي بخفض الأعباء الضريبية التي تلقي بثقلها على الشركات بشكل كبير، كما يعدان أيضاً بالخروج من نظام الـ35 ساعة عمل، وإعطاء الشركات الحق في التفاوض حول وقت العمل بحسب احتياجاتها. كما يعد المرشحان أيضاً برفع سن التقاعد إلى 65، وهنالك أمثلة أخرى علي اتفاق المرشحين في سياسات اقتصادية واجتماعية كثيرة. ومع ذلك، فهناك أيضاً اختلافات واسعة بينهما في كيفية تحقيق هذه الغايات، حيث يعطي فيون الانطباع بأنه حريص على مراعاة دواعي غضب الفرنسيين، وإنْ كان أيضاً بعض وعوده يبدو غير واقعي، خاصة تعهده بتقليص أعداد العاملين في القطاع العام بأعداد هائلة. وأما آلان جوبيه، فيبدو أقرب إلى روح اليسار الاشتراكي في بعض توجهاته، ولذلك فهو يحظى بأصوات الناخبين النازحين عن اليسار، لأنهم يجدون في بعض مقولاته وخطوطه العريضة ملمحاً اشتراكياً أو تشاركياً أقل ليبرالية ويمينية من منافسه فيون. لوفيغارو في صحيفة لوفيغارو، نشر الكاتب اليميني إيفان ريوفول مقالاً بعنوان: «فيون، أو استيقاظ فرنسا الفرنسية»، تحدث فيه عن توجهات متصدر سباق ترشيحات اليمين فرانسوا فيون، متسائلاً في البداية: ما الذي يحمله فرانسوا فيون؟ ليجيب بأنه يحمل قيم الدفاع عما يسميه الكاتب «فرنسا الفرنسية»، وهذه بديهية تبدو مع ذلك غير واضحة لكثير من الساسة من المتحمسين لـ«فرنسا المتعددة»، ولا شك أن منافسه آلان جوبيه يعتبر أحد هؤلاء: فهو يرفض، باسم الحداثة، بعض سياسات الإدماج. ويقصد الكاتب بهذه الجزئية طريقة التعامل مع ما يسميه «الأقلية المسلمة»، أي الفرنسيين من أصول مهاجرة، الذين يريدون التمسك بجوانب من الهوية تميزهم، ويستكثر عليهم بعض غلاة اليمين الفرنسي -مثل الكاتب ريوفول نفسه- هذا الحق تحت دعاوى ودواعي الاندماج في النسيج الفرنسي العام. وهو في المجمل، يرى أن قراءة خطاب الحملة من منظور إشكالات ومشكلات الهوية هي ما أخفق القطاع العريض من الإعلام في مواكبته، حيث ركز قبل كل شيء على النزعة الليبرالية لكلا المرشحين فيون وجوبيه، هذا في حين التقط الناخبون اليمينيون الفرق الحقيقي بينهما، ولذلك منحوا فيون في اقتراع الشوط الأول، الأحد الماضي، فوزاً بنسبة 44,1%، في حين لم يمنحوا جوبيه سوى 28,6%، وذلك لأن الأول خاطب الناخبين في هموم وقضايا تؤرقهم كمسألة الهوية. ويمضي الكاتب قائلاً إن ما يسميه الثورة المحافظة التي تعتمل في صدور كثير من الفرنسيين هي التي حملت فيون إلى الصدارة بعد أن كانت استطلاعات الرأي تضعه في الترتيب الرابع بين مرشحي اليمين، وقد أخفقت استطلاعات الرأي ذات المنزع «التقدمي» هنا أيضاً في قراءة التحول في توجهات الرأي العام، كما وقع لمثيلاتها في بريطانيا وأميركا خلال حملتي هذا العام أيضاً. ولذا يتوقع أن تكون للتعبئة في صفوف اليمين العميق، من سكان الأقاليم، خاصة اليمين الكاثوليكي، دور حاسم في الصعود بفيون، ليكذّب بذلك تقديرات كل من تصوروا أن هذا اليمين قد اختفى، أو لم يعد له دور مؤثر في مسار الأحداث. ليبراسيون في صحيفة ليبراسيون، كتب فردريك أوتران، مراسلها في نيويورك، تحليلاً سياسياً عن أفق التعاون بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مبرزاً في هذا الصدد أن روسيا تلقت فوز ترامب بكثير من الشعور بالارتياح، وهي تأمل في الوقت الراهن أن يمثل انتخابه فرصة ثمينة لعودة الدفء إلى العلاقات الأميركية الروسية التي عرفت في عهد الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما كثيراً من التعثر، وإخفاقاً واضحاً في إعادة ضبط العلاقة الذي وعد به أوباما. وذكر الكاتب أن ترحيب روسيا بترامب ليس مقتصراً فقط على الكرملين والمؤسسات الرسمية الحكومية، وإنما هو أيضاً حالة عامة في صفوف الرأي العام الروسي. ففي استطلاع للرأي أجري في منتصف شهر أكتوبر الماضي، بأسابيع قليلة قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وشمل عينة كبيرة من 50 ألف مواطن في 45 بلداً، حظيت هيلاري كلينتون بتأييد عارم في كل البلدان باستثناء روسيا التي حظي فيها الملياردير النيويوركي بتأييد واسع، حيث تقدم هناك بـ20 نقطة على منافسته. والسؤال الآن: هل ستعرف العلاقات الروسية الأميركية حقاً عودة للدفء، وتتجاوز احتقانات السنوات الأخيرة بين موسكو وواشنطن على خلفية افتراق المواقف من أزمات طاحنة كالأزمتين الأوكرانية والسورية؟ هنا يرجح الكاتب أن العلاقات بين الجانبين يمكن أن تتحسن كثيراً، خاصة في ضوء اللغة الودية التي يستخدمها ترامب في وصف بوتين، وقوله عنه إنه «زعيم قوي ومؤثر أكثر من رئيسنا». وقد اعتاد ترامب خلال الحملة انتقاد ما يعتبره ضعف أوباما مقارنة بفاعلية وقوة مواقف سيد الكرملين. كما يعرف أيضاً عن ترامب تبنيه مواقف أقل صدامية مع الروس فيما يتعلق بالأزمتين الأوكرانية والسورية، وهذا من شأنه أن يتيح فرصة تقارب في البحث سوياً عن حلول للمآزق الدولية. وفي المجمل، يمكن أن يؤدي أي تقارب روسي أميركي إلى تقليص أجواء التصعيد والاستقطاب على المسرح الدولي، وهذا مهم للطرفين، بقدر ما هو مهم لبقية العالم أيضاً. إعداد: حسن ولد المختار