ما حدث في لبنان مؤخراً من انتخاب لرئيس جديد يعد انفراجاً سياسياً مهماً في هذا القطر العربي الذي صادفته في السنوات الأخيرة أزمات سياسية طاحنة جعلت من انتخاب رئيس الجمهورية، وفقاً للقواعد الدستورية المعمول بها والمثل والأعراف المتعارف عليها منذ أن حصل لبنان على استقلاله، أمراً إشكالياً، وكأن المسألة ليست عملية سياسية عادية تكررت مرات ومرات خلال المسيرة السياسية للبنان المستقل. ويميل كثير من الأكاديميين والمحللين السياسيين والمعلقين اللبنانيين أنفسهم إلى إعادة ذلك إلى الأصابع الخفية والدسائس والمؤامرات التي تلعبها إيران في البلاد إما مباشرة، أو من خلال وكيلها السياسي المعتمد «حزب الله» اللبناني. ويعيدون ذلك إلى أن «حزب الله» كان يعرقل انتخاب رئيس جديد للبنان طمعاً في إجراء تغييرات سياسية جذرية يتم بموجبها تبديل الخريطة السياسية الدستورية، لكي تخرج رئاسة مجلس الوزراء من يد الطائفة السنية اللبنانية التي تترأس مجالس الوزراء التي تشكلت على مدى السبعين سنة أو نيف الماضية. على أية حال تم انتخاب الرئيس ميشيل عون لرئاسة الجمهورية، والذي قام بدوره بتكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وفقاً للخطوط السياسية القائمة والأعراف المتفق عليها، بحيث يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية ورئيس الوزراء مسلماً سُنياً ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً. لكن السؤال الذي يبقى هو: هل انتهت فعلاً مشاكل لبنان القائمة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس للوزراء يقوم بتشكيل حكومة جديدة؟ إن الواقع يشير إلى أن مشاكل لبنان لم تنته، ويبقى أمام الرئيسين الجديدين - رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء - عمل سياسي ثقيل جداً، لكي يخرجا البلاد من محنها ومصائبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، وهي مشاكل معقدة وصعبة ليس لها حلول سهلة، وهذه حقيقة يعلمها جميع اللبنانيين، قبل أن يفتي بها أي مراقب سياسي خارجي. إن الخطوط العريضة لتلك المشاكل هي سياسية - دينية - اقتصادية واجتماعية، وحلها لا يكمن في يد الرئيسين اللذين لا يحملان عصى سحرية، بل يكمن في يد اللبنانيين جميعاً، ويقوم على عدم الفصل بين وظائف التحرر من النفوذ الأجنبي الإيراني أو غيره، وعلى إعادة وحدة الصف اللبنانية الصرفة، وعلى الإيمان بهوية لبنان العربية الخالصة وعدم التفريط فيها، انسياقاً وراء شعارات طائفية - مذهبية قوامها، كما يقول أصحابها، التصدي للخطر الصهيوني ومحاربة إسرائيل. إن الرابط الذي لا يمكن فصله بين القضايا الثلاث التي سقناها أعلاه أصبح الآن أكثر حتمية من أي وقت مضى، فالمحافظة على لبنان الدولة والوطن، وتحريره من أيادي الدخلاء وأعوانهم العابثين في جميع ربوعه، وإعادة استقلاله الكامل إلى حالته الأولى، وتأكيد سيادته الوطنية وسلامة حدوده وأراضيه يمكن تحقيقها فقط عن طريق تأكيد وتحقيق هوية لبنان العربية ودفع الضريبة المستحقة التي يتطلبها ذلك. وفي هذا السياق توجد مهمة وطنية كبرى أمام رئيس الوزراء سعد الحريري بالذات، وهي العمل الجاد على تحقيق وحدة لبنان الداخلية عن طريق تشكيل جبهة وطنية توحد جميع اللبنانيين تحت مظلة لبنان الوطن. ويمكنه تحقيق ذلك عن طريق تقديم إجابة وطنية على السؤال السرمدي الذي يواجهه لبنان، ويتسبب في أزماته المتتالية والخاص بالتنمية في هذه المرحلة بالذات، فلبنان يعاني من مشكلة التنمية الحقيقية الشاملة على الصعد الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية منذ اليوم الأول لاستقلاله، وهي مشكلة تسببت في مشاكل لبنان منذ ذلك الوقت سنة بعد أخرى، ولم يتم التوصل بعد إلى حل لها حتى يومنا هذا. إن عدم وجود مفاهيم وطنية واضحة لماهية نمط وأشكال التنمية الشاملة المستدامة التي يحتاجها لبنان والمواطن اللبناني البسيط، بالإضافة إلى عدم وجود جبهة لبنانية وطنية موحدة هي أهم المشاكل التي على ساسة ومواطني لبنان مواجهتها، فهل يستطيع الرئيسان الجديدان المساعدة في ذلك؟ *كاتب إماراتي