تثير مشكلة إعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية الأميركية الكثير من الجدل منذ أربعة عقود. وقد بدا دونالد ترامب من خلال خطاب النصر عشيّة انتخابه رئيساً، في موقف لا يسمح له بادعاء القدرة على تصحيح الأمور، وخاصة عندما قال إنه سيوظف في هذا السبيل الفولاذ المصنوع في أميركا والقوة العاملة الأميركية. وأضاف: «سنصلح أوضاع مدننا، ونبني الطرق السريعة والجسور والأنفاق والمطارات والمدارس والمستشفيات». وما لبثت أسعار السندات أن تضخمت بعد هذا الخطاب، ولكن في نشرات الأخبار فحسب. فمن أين سيأتي ترامب بمبلغ تريليون دولار لتغطية نفقات هذه الخطة الطموحة؟ هذا هو السؤال المحوري الذي لا يحظى باهتمام ستيفن بانون رئيس الاستراتيجية في إدارة ترامب المقبلة. وكان قد قال لشبكة «برايبارت نيوز»، خلال حوار تلفزوني أجري معه يوم 15 نوفمبر، إنه يعتبر نفسه «المؤيّد الأكبر» لفكرة ترامب باللجوء إلى الاقتراض لتنفيذ هذه المشاريع المتعلقة بالخدمات العامة، واستطرد بلهجة عامرة بالحماسة: «إن الأسعار السالبة للفائدة تمثل أفضل فرصة لإعادة بناء كل شيء في أميركا». وسبق لبعض كبار الأعضاء «الجمهوريين» في الكونجرس أن حذروا من أنهم سيعارضون كل أنواع الإنفاق التي لا تنطوي على العوائد المالية المحفزة. ويمكن أن يأتي تمويل هذه المشاريع من إصلاح النظام الضريبي المفروض على الشركات بحيث تتم استعادة أرباح الشركات العاملة وراء البحار إلى أرض الوطن عن طريق تخفيض الضرائب المترتبة عليها، وبما يؤدي إلى زيادة حجم الريوع الضريبية التي تستفيد منها الحكومة. إلا أن هذا الإجراء يمكنه أن يؤمّن فقط مبلغاً لا يزيد على 250 مليار دولار كحد أقصى. والمصدر المحتمل الآخر للتمويل هو تأسيس بنك للاستثمار في البنى التحتية، وهي الفكرة التي دافعت عنها هيلاري كلينتون وانتقدها ترامب خلال مناظرات الحملة الانتخابية. إلا أنه تراجع عن موقفه وأعاد لها الاعتبار الآن وفقاً لما يقوله «ستيفن منوشين» الخبير المالي في بورصة «وول ستريت» وكبير المستشارين الماليين في حملة ترامب والمرشح لمنصب وزير الخزانة. وتنطوي هذه الخطة على بعض المتاعب، ويمكن أن يعتبرها البعض حالة أخرى من حالات انقلاب ترامب على آرائه فحسب. وهو الذي قال خلال الحملة الانتخابية إن «بنك كلينتون» سيخضع لمراقبة سياسيين وبيروقراطيين يمكنهم أن يوجهوا الأموال إلى مانحين مفضلين بالنسبة إليهم. ولأن من شأن هذه الفكرة أن تكون أيضاً الأكثر خطراً ضمن خطة ترامب لتأهيل البنى التحتية عما كان الحال في خطة كلينتون. وفي هذا السياق قال مستشارو ترامب إن خطتهم تتلخص بتنفيذ مشاريع يمكنها أن تمول نفسها بنفسها، ويمكن تحقيقها عن طريق تحصيل العوائد التي تدفعها شركات البناء والتشييد، والعمال والموظفون الذين تستخدمهم تلك الشركات، وهي الفكرة التي يشكك المحافظون في نجاحها. وقد ذهب «رون كلين»، المستشار المتخصص بدراسة برنامج أوباما الإنفاقي التحفيزي لمبلغ 800 مليار دولار بين عامي 2009 و2011، إلى وصف خطة ترامب بأنها «فخّ» منصوب للاقتصاد الأميركي. وكتب في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 18 نوفمبر: «تعتمد هذه الخطة على اقتطاع الريوع الضريبية لمصلحة صناعة توليد الكهرباء وتأمين المياه وقطاع البناء والتشييد، وستمثل مصدراً لثروة المقاولين دون غيرهم». ولو أضفنا إلى هذه «الخلطة» التنموية الغريبة، مشروع إنشاء بنك لتشييد البنى التحتية، فسيصبح الأمر أكثر إثارة للقلق. وتكمن المشكلة في أن صناديق التقاعد والتحوّط لا يمكنها أن تدعم غير المشاريع التي تنتج فيضاً متواصلاً وثابتاً من العوائد حتى تغطي تكاليفها العملياتية. ويضاف إلى ذلك أن معظم المشاريع التي تتعلق بإقامة البنى التحتية لا تنطوي إلا على القليل من العوائد والأرباح المادية، ومنها طرق العبور المجاني، ومحطات معالجة مياه المجاري، ومحطات القطارات، والمدارس. وتنطبق الحقيقة ذاتها على الإنفاقات المتعلقة بالصيانة الدورية لمنشآت البنى التحتية. وما لم يعتمد الكونجرس القوانين التي تسمح بإنشاء الطرق السريعة والجسور والأنفاق ذات العبور المدفوع بالإضافة للمدارس الخاصة، فسيكون من الصعب أن نفهم الطريقة التي سيتمكن بموجبها بنك البنى التحتية من تحقيق الرؤى والتطلعات التي تحدث عنها ترامب. ويبدو لي أن شراكة بين القطاعين العام والخاص لتأسيس هذا البنك الاستثماري في البنى التحتية تعتبر هي الحل العملي الوحيد لتنفيذ هذه المشاريع. --------------- باولا دواير* * محللة أميركية في شؤون التمويل والسياسات الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»