إذا كان غضب الطبقة الوسطى من السياسيين المتعالين هو العنصر المحوري في الانتصار المفاجئ لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، فهذا الغضب نفسه قد يؤدي إلى تحول سياسي جذري في البرازيل في عام 2018. فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، نزل ملايين البرازيليين مراراً إلى الشوارع ينفسون عن غضبهم من المؤسسة السياسية المدللة والمقيمة في برج عاجي في العاصمة. وبدلاً من الحصول على خدمات حكومية أفضل ووسائل حكم أنظف، عاش البرازيليون أسوأ كساد اقتصادي تسجله البلاد، وشاهدوا عزل الرئيسة ديلما روسيف، وملحمة فضيحة فساد غير مسبوقة طالت عشرات من رموز الصفوة الاقتصادية والسياسية في البلاد. ودعم اقتصاد البلاد المنهك بإجراءات تقشف مع المحافظة على البرامج الاجتماعية الشعبية التي حصل عليها البرازيليون بشق الأنفس، يبدو هدفاً صعباً بالنسبة لميشال تامر القائم بأعمال الرئيس، وهو غير منتخب ولا يحظى بشعبية واسعة. ومن دون أي تحسن واضح في تدابير التصدي للفساد، أو دعم الاقتصاد، فقد يفوز شخص بلا خبرة ومن خارج المؤسسة السياسية بالانتخابات الرئاسية في عام 2018. ولكن تحولاً جذرياً قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، أو إلى إطالة أمد أسوأ كساد تعرفه البرازيل منذ قرن. ويعتقد أوليفر ستونكل، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في مؤسسة «جيتوليو فارجاس» في ساو باولو، أن «مثل هذا الاحتمال وارد تماماً في البرازيل... فهناك سوء ظن عميق تجاه المؤسسات السياسية، وشعور قوي بعدم الجدوى، بصرف النظر عن الشخص الذي تصوت له». وكذلك أشار بحث لمؤسسة «أوراسيا جروب» لاستشارات المخاطر السياسية إلى أنه بينما أشعلت الهجرة واتساع الفجوة في الأجور غضب كثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا، هناك في البرازيل طبقة وسطى حصلت على حق التصويت حديثاً يتزايد استياؤها من نوعية الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والأمن. ولكن بينما التف الناخبون في الولايات المتحدة وبريطانيا حول الحلول البسيطة، والتي تبدو ناجعة مثل بناء الجدران والحمائية التجارية والخروج من التكتل الأوروبي، يشعر الناخبون في البرازيل بخيبة الأمل من السياسة المعتادة. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «لاتينوباراوميتر» ونشرته في سبتمبر الماضي، إلى أن دعم البرازيليين للديمقراطية انخفض بنسبة 22 في المئة بين عامي 2015 و2016. وهناك مؤشرات تدل على استياء متزايد من إدارة تامر. وقد اعتصم تلاميذ غاضبون في مئات المدارس من برنامج تامر الإصلاحي. وفي الأيام القليلة الماضية استطاع عشرات المحتجين اقتحام مقر الكونجرس في برازيليا هاتفين بشعارات تطالب الجيش بالتدخل. وذكرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني في الآونة الأخيرة أن تطبيق اتفاق حديث بين الحكومة الاتحادية وإدارات الولايات بشأن إجراءات التقشف «سيكون شاقاً، وقد يواجه مقاومة على الأرجح». وفي هذا السياق كتب كريستوفر كارمان عضو مجلس الإدارة المنتدب في مؤسسة «أوراسيا جروب» يقول: «بالنسبة للبرازيل فإن السؤال الذي يلوح في الأفق هو: هل تحمل انتخابات 2018 مرشحاً يحافظ على المسعى الإصلاحي أم تتمخض عن مرشح شعبوي؟». ومع عدم انضباط صفوف البرازيليين حزبياً وعدم تفضيل أي حزب سياسي، يظهر عدد هائل من المرشحين غير التقليديين. ويبرز من بينهم اثنان. فهناك جير بولسونارو وهو مشرع برازيلي وضابط جيش سابق. وقد احتل بولسونارو المرتبة الثانية في استطلاع رأي في 19 أكتوبر الماضي عن المرشحين الرئاسيين المحتملين في انتخابات 2018. وحشد العدد الأكبر من المتابعين له على مواقع التواصل الاجتماعي على امتداد البلاد معتمداً على التغطية الصحفية لتصريحاته الهجومية مثل تهجمه على بعض السياسيين والسياسيات، ودأبه على التصريح بأن حقوق الإنسان «للبشر وليست للمجرمين». ووصف أيضاً برنامج تحويل الإعانات الاجتماعية المشروط بأنه «جريمة»، وربع البرازيليين يستفيدون من هذا البرنامج. وفي مقابلة عبر الهاتف أعرب بولسونارو عن سعادته بمقارنته بترامب. والعلاقة غير وثيقة بين بولسونارو وحزبه السياسي، ولكنه يشير إلى جيش أنصاره على الإنترنت باعتباره دليلاً على فرصه في الترشيح والنجاح. والحال أن لديه فعلاً كتلة من المتابعين الشباب الذين يؤيدونه بقوة. ولكنه يعترف بأنه لا يحظى بدعم واسع وسط المشرعين، مما حال دون الموافقة على كثير من مقترحاته التشريعية. وهناك أيضاً «يواو دوريا» رجل الأعمال والمذيع التلفزيوني وهو بلا خبرة سياسية، ولكن موقفه الصارم من تطبيق القانون والنظام ساعده على تحقيق فوز مفاجئ من الجولة الأولى في السباق على منصب رئيس بلدية ساو باولو، أكبر مدن البرازيل، الشهر الماضي. و«دوريا» مدعوم من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وهو من أحزاب المؤسسة السياسية البرازيلية. ولكن خبرة كل من دوريا وبولسونارو السياسية ضئيلة في توازنات الكواليس المطلوبة لتحقيق حد أدنى من الإجماع، وسط ما يقرب من 30 حزباً في البرلمان البرازيلي. بروس دوجلاس* ---------------- * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»