كان هذا مثيراً للاهتمام.. جاء دونالد ترامب لتناول الغداء في صحيفة «نيويورك تايمز».. يمكنكم إيجاد أبرز العناوين على صفحات الأخبار، ولكن حيث إن الفرصة واتتني للحضور، دعوني أعرض بعض الانطباعات عن أول لقاء لي عن قرب مع ترامب منذ الإعلان عن توليه الرئاسة. وأهم هذه الانطباعات كانت تدور حول العديد من القضايا الرئيسية، مثل التغير المناخي والتعذيب، حيث تبنى مواقف متطرفة أثناء حملته لكي يحفز قاعدته، وخرج عن مساره لتوضيح إنه يعيد النظر في هذه المواقف.. إلى أي مدى؟ لا أعلم. ولكن انتبهوا، خاصة فيما يتعلق بالمناخ. هناك العديد من القرارات التي يستطيع الرئيس المنتخب اتخاذها وسيقوم باتخاذها بالفعل خلال الأربع سنوات القادمة. والكثير من هذه يمكن الرجوع فيها من قبل من سيخلفه. بيد أن هناك قراراً واحداً يستطيع اتخاذه ومن الممكن أن يكون له عواقب لا رجعة فيها حقاً، وهذا القرار هو التخلي عن التزام أميركا بالتخلص التدريجي من الفحم، والاستخدام التدريجي لأنظمة الطاقة النظيفة وقيادة العالم للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل أن تصل إلى مستوى يؤدي إلى دورة من الاختلالات المناخية التي لا يمكن التنبؤ بها. وبسؤاله عن موقفه بشأن قضية التغير المناخي، والتي كان في الماضي يرفضها باعتبارها خدعة، واتفاق باريس الذي قادته الولايات المتحدة في شهر ديسمبر الماضي للحد من الانبعاثات، لم يتردد الرئيس المنتخب لثانية وقال: «إنني أبحث هذه القضية من كثب... وأنتظر حتى أقف على جميع الحقائق قبل أن أتخذ قراراً. إننا سنبحث الموضوع بعناية ونتعرف إلى جميع الآراء. وإنني أؤكد لكم: إن توفير الهواء النقي والمياه النقية أمر في غاية الأهمية». وبسؤاله عما إذا كان يعتقد أن التغير المناخي هو نتيجة للنشاط البشري، قال الرئيس المنتخب: «أعتقد أن هناك علاقة ما». وليس من الواضح «إلى أي مدى»، وما الذي سيفعله حيال ذلك «يتوقف على التكلفة التي ستتحملها شركاتنا». وأكد ترامب أنه سيدرس القضية «جيداً» وألمح إلى أنه، بعد الدراسة، سيقدم وجهات نظر معتدلة، وأن صوته سيكون مؤثراً مع المتشككين بشأن المناخ. ورداً على سؤال عما إذا كان الجيش الأميركي سيلجأ إلى الإيهام بالغرق وغيره من أساليب التعذيب مع الإرهابيين المشتبه بهم، وهو الموقف الذي دافع عنه كثيراً خلال حملته وسط تصفيق حاد، قال ترامب صراحة إنه غيّر رأيه بعد التحدث مع «جيمس ماتيس»، وهو جنرال متقاعد في مشاة البحرية ويرأس القيادة المركزية الأميركية. وأوضح ترامب أن «ماتيس» قال له عن هذه الأساليب من التعذيب: «لم أجدها إطلاقاً مجدية». (جدير بالذكر أن الكثيرين في الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية لهم نفس وجهة النظر). ونقل الرئيس المنتخب عن ماتيس قوله: «أعطني علبة سجائر وكأسين وسأتوصل إلى نتائج أفضل» مما يتوصل إليها أي شخص يستخدم أساليب التعذيب. واختتم ترامب قائلاً: «لقد تأثرت كثيراً بهذه الإجابة». أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، قال ترامب بشكل عفوي: «أود أن أكون الشخص الذي يتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين»، مضيفاً: «لدي سبب للاعتقاد أن بوسعي القيام بذلك». وألمح إلى أن زوج ابنته، جاريد كوشنر، يمكن أن يكون مبعوثه الخاص وأنه «سيؤدي أداء حسناً.. إنه يعرف المنطقة». (إن رؤية ترامب وهو يحاول التوصل إلى اتفاق بين نتنياهو والفلسطينيين سيكون أمراً يستحق المشاهدة). والأمر الوحيد الذي أعتقد أن ترامب سيمضي وقتاً عصيباً في محاولة الوفاء بوعوده عنه أثناء الحملة هو خلق «الملايين» من فرص العمل ذات الرواتب الجيدة من خلال التحفيز والضغط على الشركات الأميركية لزيادة التصنيع في الولايات المتحدة. وهو ما زال يتحدث عن أميركا باعتبارها تفتقر إلى التصنيع، بينما لا يزال التصنيع، في الواقع، هو أكبر قطاع من قطاعات الاقتصاد الأميركي لكنه يوظف عدداً قليلاً جداً من العمال. وكما أشار المستشار الإداري «وارين بينيس»: «إن مصنع المستقبل سيعمل به موظفان فقط، رجل وكلب. ستكون مهمة الرجل هي إطعام الكلب، بينما ستكون مهمة الكلب هي منع الرجل من لمس المعدات». وخلاصة القول: «لقد انتهت الحملة، لكن النضال من أجل روح دونالد ترامب قد بدأ من فوره، ومن الواضح أن ترامب يتعلم من خلال الحديث إلى الناس وليس من خلال القراءة، ولأن عدداً قليلاً جداً هو الذي كان يعتقد أنه سيفوز، فإن الكثير من هؤلاء الذين التفوا حوله واسترعوا انتباهه كانوا من الشخصيات المتطرفة». ولكن الآن وقد تم انتخابه رئيساً، فهو يعرض نفسه ويستمع إلى شبكة أكثر اتساعاً من الناس. لقد أشار إلى أنه أجرى مكالمات هاتفية مع بيل جيتس وتيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل. كما أنه أكد مراراً وتكراراً أنه يريد النجاح: «إنني أفعل ذلك من أجل القيام بعمل جيد». ومن أجل تحقيق ذلك، عليه أن يتبنى وجهات نظر معتدلة والتعلم من خلال شبكة أكثر اتساعاً من الناس. وبالنسبة إلى من عارض منا انتخاب ترامب، ليس هذا الوقت الذي نتخلى فيه عن حارسنا والتوقف عن رسم خطوط حمراء عند الضرورة. ولكن بالنسبة إلى قادة الأعمال من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» المعتدلين، مثل «بيل جيتس»، الذين بوسعهم أن يسترعوا انتباهه ويحصلوا على اهتمامه، والذين لديهم استثمارات كبيرة في مجال الطاقة النظيفة، فإن ترامب ربما يكون من السهل إقناعه بشأن بعض القضايا الرئيسة. إنهم بحاجة إلى أن يأخذوا على عاتقهم محاولة جذبه نحو الوسط. توماس فريدمان* ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»