ينطلق الأكاديمي والمؤلف الفرنسي «ألكسندر دل فال» في كتابه الصادر مؤخراً تحت عنوان: «الأعداء الحقيقيون للغرب» من مقاربة تسعى للفت انتباه صانع القرار، ومن ورائه تحذير الرأي العام الغربي ككل، إلى حجم الخطر الذي يمثله تحدي الجماعات المتطرفة والإرهابية الإسلاموية على المجتمعات الغربية، وهو تحذير يلقى الآن آذاناً صاغية على نطاق واسع، وخاصة بعد تواتر الهجمات الإرهابية في بعض كبريات المدن الأوروبية خلال السنتين الماضيتين، مع ما تبع ذلك من حالة قلق عام وهلع عارم في المجتمعات الغربية، لم يخلُ أحياناً من خلطٍ، وسوء فهم، وإعادة تدوير لبعض الصور النمطية السلبية ذات الصلة بالرهاب من الإسلام «الإسلاموفوبيا». ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب، من وجهة نظر القارئ الأوروبي على الأقل، كون مؤلفه متحصلاً على الدكتوراه في التاريخ المعاصر، وباحثاً متمرساً وأستاذاً جامعياً للدراسات الجيوبوليتيكية والعلاقات الدولية سبق له التحذير من تحدي التطرف الإسلاموي في أوروبا، في وقت مبكر لم يكن كثيرون فيه قد انتبهوا بعد لخطر تنامي النزعات المتطرفة في صفوف بعض الجاليات ذات الأصول المهاجرة في الدول الأوروبية. وقد فعل ذلك في كتابات نشرها منذ سنة 1997. كما أصدر أيضاً من قبل كتباً ذائعة الصيت لعل من أبرزها كتاباه: «العقدة الغربية» الصادر في 2014، و«فهم الفوضى السورية» الصادر في 2015. وفي هذا الكتاب يسعى المؤلف لإقناع قارئه بأن العدو الحقيقي للغرب منذ سقوط المعسكر الشرقي السابق وتفكك الاتحاد السوفييتي، بات تحديداً التطرف الإسلاموي، الذي يسعى للنيل من قيم المجتمع الأوروبي. وتهديد الأمن والاستقرار داخله. ومثل المعسكر الشيوعي السابق فأسباب عداء هذا الخصم الجديد إيديولوجية أيضاً، ومنشؤها رفضٌ لقيم المجتمع المفتوح والديمقراطية والحريات الفردية.. إلخ. ومن هنا يبسط الكاتب الكلام عن بذور وجذور موجة التطرف الراهنة التي صارت تهدد العالم كله، وليس أوروبا والغرب وحدهما فقط، حيث يتوقف بشكل خاص أمام بعض التحولات السياسية الفارقة التي وقعت في السنوات والعقود الأخيرة، وكان لها أوخم الآثار على القارة العجوز وجوارها المتوسطي والشرق أوسطي، ومن ذلك مثلاً ما يسمى «الثورات الملونة» في أوروبا الشرقية، التي نشبت أصلاً بدعم قوي من بعض المنظمات غير الحكومية الأميركية، مع محاولة ربط تلك الثورات مع تداعيات التدخل الأميركي في العراق وليبيا، وصولاً إلى ما سمي «الربيع العربي» الذي تحول مع مرور الوقت إلى «شتاء إسلاموي». ويكشف الكاتب بالتفصيل ما يعتبره استراتيجية وأهداف حرب يسعى المتطرفون الإسلامويون لتحقيقها في محاولاتهم استهداف الدول، وفرض رؤيتهم المتعصبة المتخشّبة للدين، على بقية العالم، واستعمالهم لأبشع وأشنع أنواع العنف لنشر الرعب والخوف من أجل تحقيق غايات إرهابية. ومن وجهة نظر الكاتب فإن أول خطوة في سبيل صد خطر التطرف هي الوعي بطبيعة هذا التهديد، وما تكتسيه مواجهته من أولوية، ولعل هذا هو ما يعبر عنه العنوان الفرعي للكتاب «من نبذ روسيا إلى أسلمة المجتمعات المفتوحة»، حيث يرى أنه على رغم الإرث الصعب من الاستقطاب والاحتراب بين الشرق والغرب في مرحلة الحرب الباردة، والآن بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية وقضايا أخرى، إلا أن هذا ينبغي ألا يشغل الغربيين بحال عن التركيز على مواجهة التهديد الوجودي الذي يمثله الخطر الإرهابي عليهم وعلى العالم أجمع. وفي سياق فهم حجم التهديد يسعى الكاتب أيضاً لتفكيك بعض خلفياته الإيديولوجية لدى المتطرفين، ومن ذلك كونهم يجمعون بين التعصب الثيوقراطي والفهم المنحرف للدين مع الروح الشمولية ونزعة العنف وعدم الاقتناع بكافة قيم الحرية وقواعد لعبة التسامح والتعايش في المجتمعات المفتوحة، كما هي حال المجتمعات الأوروبية والغربية. وبالإضافة إلي ضرورة ضرب جماعات التطرف والعنف من دون رحمة، وتحييد خطرها، وتجفيف منابع تمويلها ودعمها، لابد أيضاً من الاشتغال على تعزيز عناصر المناعة الذاتية للمجتمعات المفتوحة من دون التخلي عن قيمها، ومكاسب الحرية والعيش المشترك التي اكتسبتها عبر الزمن وبكثير من التضحيات التاريخية. وفي الأخير يطالب الكاتب الأوروبيين، والغربيين بصفة عامة، بضرورة الاهتمام أولاً بالدفاع عن ذواتهم ومجتمعاتهم وتحصينها من كل تهديد وجودي، قبل التنطع والتطوع لإعطاء دروس مجانية للآخرين خارج أوروبا والغرب حول معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسوى ذلك من شعارات يرفعها الغرب كثيراً، ويدعي الدفاع عنها عبر العالم، في وقت هو أحوج ما يكون فيه أصلاً للدفاع عن قيمة، بل عن نفسه، بحسب رأي الكاتب. حسن ولد المختار الكتاب: الأعداء الحقيقيون للغرب المؤلف: ألكسندر دل فال الناشر: لارتيـّيـير تاريخ النشر: 2016