يتميز الرئيس الأميركي المنتخب «دونالد ترامب» بأنه تحدى كل الظروف المعاكسة، وأصّر على السير قدماً حتى الوصول إلى هدفه الذي حدده بدقة وعزم منذ اللحظات الأولى. ترامب خريج كلية الاقتصاد ورجل الأعمال وسليل عائلة تنشط تاريخياً في مجال التطوير العقاري، حيث تقدر ثروته حالياً بـ4.5 مليار دولار، ورث تلك الثروة من والده، وكاد يفقد هذه الثروة بعد تراكم ديون شركاته في أواخر التسعينيات، إلا إنه خرج من هذه الكبوة أكثر قوة وثراء مؤكداً الحكمة التي تقول إن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة. هذه النبذة المختصرة تشير إلى أن ترامب سيكون مختلفاً اقتصادياً تماماً على المستويين المحلي والخارجي عن سلفه أوباما، فإدارة رجل الأعمال للاقتصاد ستعتمد على خبرته وإلمامه بالأنشطة المختلفة مع الاستفادة من إخفاقاته ونجاحاته على حد سواء، مما يعني أن فهم عقليته كرجل أعمال ستُسهل كثيراً من كيفية التعامل معه، خصوصاً أنه يملك مشاريع تجارية في العديد من بلدان العالم، بما فيها بعض البلدان العربية. لننظر أولاً إلى مجالات أعمال شركاته، فهو مطور عقاري يمتلك أبراجاً مهمة، بما فيها «برج ترامب» في نيويورك، إضافة إلى ملاعب «جولف» ومطاعم راقية ومنتجعات، كمنتجع ترامب الترفيهي، مما يعني أن هناك فرصاً كبيرة ومهمة لأنشطته في المنطقة، علماً بأن لديه اهتماماً خاصاً بالاستثمار في منطقة الخليج العربي، وهو ما يتيح إمكانات حقيقية لتنمية مشاريعه وربما الدخول في مشاريع جديدة انطلاقاً من المصالح المشتركة للطرفين، فالقطاع العقاري الخليجي، وبالأخص في دولة الإمارات هو الأفضل ليس على مستوى الشرق الأوسط، وإنما على المستوى العالمي، إذ إنه يوفر تسهيلات وعوائد مرتفعة إضافة إلى الخدمات التي لا تتوفر في بقية بلدان الشرق الأوسط بنفس الجودة والاستقرار والأمان. بعض دول المنطقة، كنظام الملالي في طهران سيجد صعوبة بالغة في التعامل مع رجل الأعمال القادم للبيت الأبيض، فأولاً لا تتوفر في إيران فرص استثمارية في العديد من القطاعات، فيما عدا النفط والغاز والتي أضحت أقل اهتماماً من قبل الشركات الأميركية الخاصة، أما ثانياً فإن الفساد المستشري في النظام الإيراني وهيمنة المرشد والحرس الثوري على الأنشطة الاقتصادية، مما لا يتلاءم ومصالح القطاع الخاص الأجنبي ولا يتيح فرصاً للمستثمرين الأجانب بعيداً عن سيطرتهم، وهو ما يدركه المستثمرون من مختلف بلدان العالم، في حين توفر دول الخليج العربية حرية لعمل رؤوس الأموال وضمانات للمستثمرين بدعم من بنية تشريعية وقانونية متطورة. داخلياً سيتمكن ترامب من إصلاح العديد من القطاعات التي تضررت في ظل الإدارة السابقة، بما في ذلك إعادة توطين بعض القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالتقنيات الحديثة وتوفير المزيد من فرص العمل وجذب الاستثمارات، مما سيؤدي إلى تنشيط الحياة الاقتصادية في الولايات المتحدة. هذه وغيرها من العوامل ستتيح فهماً أعمق لترامب الرئيس، والذي سيختلف كثيراً عن ترامب المرشح، بدليل أنه ألغى من حسابه في اليوم التالي لفوزه رأيه الخاص بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فرجل الأعمال ستحدد توجهاته وتوجهات بلده المصالحُ أكثر من غيره من الرؤساء السابقين، خصوصاً أنه سيكون أكثر وضوحاً وشفافية من الإدارة السابقة، حيث يتضح ذلك من صراحته أثناء حملته الانتخابية، إذ إن هناك تخوفاً الآن في واشنطن وطهران بأن تقوم الإدارة الجديدة بكشف البنود السرية في الاتفاق النووي بين البلدين، وهو ما إذا حدث سيشكل زلزالاً يصب في مصلحة ترامب وإدارته. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة ومعها العالم تقف على أعتاب مرحلة جديدة ستتضح معالمها في الأشهر القادمة، إلا إنها بالتأكيد ستكون مختلفة اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً عن سابقتها بغض النظر عن كون أميركا دولة مؤسسات، وهو ما يمكن الاستفادة منه وتسخيره لتعزيز التنمية والأمن والسلم في المنطقة.