(علينا أن نعترف أن النهايات التي نتخيلها ونتمناها هي محض اقتراحات، أحياناً تتبناها الحياة عندما تحنو علينا، وذلك أمر نادر). بهذه الكلمات يحاول السياسي والأديب سنان انطون في روايته، تهدئة توثبات الروح العربية التي خبرها وعانى كثيراً اشتعالاتها، خصوصاً حينما تفاجئها أحداث الحياة وتأتي نتائجها على خلاف التوقعات. أميركا انتخبت اليوم رجلها الأول لأربعة أعوام مقبلة. الانتخابات كحدث عالمي، يضعه العرب في رأس أولوياتهم. كيف لا؟! وأميركا دولة كبيرة و(جبّارة)، إن عطست أصيب العالم بالأنيميا الاقتصادية، وإن ابتسمت اجتاحت الأعراس والازدهار نصف الكرة الأرضية، وضجّت الشوارع بأطفال جدد. لكن ترى لماذا يحزن بعضنا على بعضنا في كل انتخابات أميركية؟ لماذا يتأسى بعضنا على مجملنا في ظل هذا العرض الدوري ذي الفصل الواحد؟ ثمة أسباب عدّة لهذا النوع من الابتهاج والحزن العربيين، من أهمها أننا كعرب نعوّل كثيراً على دور الفرد في الأمة (البحث عن منقذ)، دائماً ننتظر شخصاً يأتي لينقذنا من الحفيرة التي وضعنا أنفسنا فيها، وألغينا في رؤوسنا أمل الخروج منها ذاتياً. نحن العرب مسؤولون ليس فقط عن (صناعة) الانتظار، بل نحن في حالة انتظار دائمة لـ(غودو) الذي لن يأتي؟ ولماذا يأتي شعوباً أدمنت الانتظار واختارته قدراً؟ يعجب المرء من شعوب تنتظر (بطلاً) ولا تريد أنت تكون هي هذا البطل المنتظر! ومن الأسباب التي تجعل أغلبنا ينتظر ويتعلّق بنتائج الانتخابات الأميركية، أننا نحسب أن الرئاسة الأميركية تشبه بعض الرئاسات العربية، حيث الرئيس ديكتاتور لديه سلطة مطلقة ليقوم بمفسدة مطلقة، يفعل ما يريد ويهوى من دون حسيب أو رقيب أو أهداف موضوعة وشفافة. وأمر كهذا إن فهمه أهلنا العرب على هذه الصورة، فذلك حولٌ فكري وخطلٌ فادح. في أميركا مؤسسات دستورية، وأنظمة وقوانين لإدارة الدولة، تجعل الرئيس مقيداً مغلول اليدين، ليس حراً كما قد نفهم الأمر، أميركا لها أولوياتها الداخلية والخارجية، يصعب على أي رئيس الخروج عليها، أو تغييرها أو تبديلها. الرئيس يستطيع التقديم فيها أو التأخير، وفقاً للمستجدات ولما يراهُ هو ومستشاروه، لكنه لا يستطيع المساس بجوهرها. دوره ينحصر في طريقة وأسلوب التنفيذ لتحقيق الأهداف والمصالح العليا وتزمينها. العرب كانوا يريدونه رئيساً أميركياً «على قدّ» ملفاتهم، همومهم وهواجسهم وأحلامهم. توقعوا رئيساً يمدح شجاعتهم التاريخية وكرمهم الحاتمي، ويُذكِّر بأمجادهم الغابرة، ويقدّر إضافاتهم اللافتة إلى الحضارة البشرية المعاصرة. يريدونه أن يتحدث عن فلسطين وإن تلميحاً، وعن هواجسهم من إيران ولعبة الشطرنج التي تحقق بها توسعها وانتشارها إقليمياً، ويريدونه أن يتعهد بمساعدتهم على تنفيذ خططهم الاستراتيجية (الواضحة) جداً، ورؤاهم الاستشرافية (النافذة). هكذا رئيس بالنسبة إلى العرب سيكون (رئيساً لُقطة) وهو ما تمنوه. راهنوا على فشله لأنه ضد الأقليات، ولم يعلموا أن الأقليات ضد الأقليات لا تريد زيادةً، ولا ترحب بأقلية جديدة غيرها في البلد. وإنه يتصرف تجاه المرأة بصورة ليست مقبولة، ولم يعلموا أن المرأة الأميركية تعاني جفافاً عاطفياً لدى الرجال، ما يفضي إلى نسبة فشل كبيرة في العلاقات الزوجية، فالنساء في أميركا لم تعد تلفت نظر الرجال، أو تحظى بكلمة دافئة في المجتمعات الصناعية الباردة. وراهنوا على أنه رجل أعمال لا يفقه السياسة، ولم يعلموا أن الاقتصاد عصب الحياة ومفتاح القوة، وأن 25% من اقتصاد العالم يمر يومياً بـ(منهاتن). مقطع القول: ليس للعرب سوى العرب فلنكن أنفسنا.