لقد أصبح لدينا نحن الأميركيين رئيس جديد منتخب، وحان الوقت لتقديم الدعم والمساندة له. وعندما كنت أراقب ما يجري في الانتخابات الأخيرة، شعرت وكأن الجميع كان يشهد نهاية العالم، وبدا الأمر في حلقات منتسبي الحزب الديموقراطي شبيهاً بما حدث عند الانتصار الساحق الذي حققه الرئيس «الجمهوري» الأسبق رونالد ريجان عام 1980، إلا أن الجمهورية بقيت. وهذه المرة أيضاً، نجد كيف أن مؤسساتنا لا تزال وستبقى أقوى من أي رجل منفرد، وأن جمهوريتنا ليست كجمهورية «فايمار» الألمانية المهلهلة التي تشكلت على أنقاض ما تبقى من ألمانيا المنهزمة في الحرب العالمية الأولى وعاشت 14 عاماً فقط (1919 – 1933). وكان من الخزي والعار ما فعله العديد من «الجمهوريين» قبل ثماني سنوات عندما رموا بكل ثقلهم لإفشال المشروع السياسي للرئيس باراك أوباما عند انتخابه لولاية أولى لمجرد كونه «ديموقراطي الانتماء». ولم يعد وضعنا يسمح بتكرار هذا السلوك. واليوم، وبعد فوز دونالد ترامب، لم يعد الوقت يسمح للأمة الأميركية بالصكّ على أسنانها، بل يتحتَّم علينا جميعاً منح الرئيس المنتخب الفرصة. وفيما يتداول الناس ما توعّد به ترامب من أنه سيعمل على إلغاء نظام الرعاية الصحية «أوباماكير»، ويطرد ملايين المهاجرين، ويبتدع نظاماً جديداً للاختبارات الدينية! ويوقف العمل بكل القرارات التي اتخذها أوباما فيما يتعلق بظاهرة التغير المناخي، وسيعمل كل ما في وسعه لتكريس الانتماء اليميني للمحكمة العليا، فهل يمكن للتقدميين أن يواجهوا هذه الشعارات إلا عن طريق المعارضة التي يبيحها النظام الديموقراطي؟ ولننظر للنتائج الأولى، وفيما يتعلق بملف الهجرة بالذات، وبمجرد الإعلان عن فوز ترامب في الانتخابات، تعطلت المواقع الكندية المتخصصة بالهجرة بسبب ضخامة الإقبال عليها. ويقتضي الأمر الآن توضيح بعض الأمور، ومنها أن ترامب رجل يفتقر إلى الخبرة ويكثر من إطلاق التصريحات المتطرفة، إلا أنه ليس رجلاً أيديولوجياً، بمعنى أنه رجل «لا منتمٍ» ولا يحتكم إلى خط فكري محدد. ولقد تحدث مرات ومرات عن عزمه على بناء جدار على حدود أميركا مع المكسيك، ومنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ولكنّه لن ينفذ شيئاً من ذلك لأن هذه الأفكار غير صالحة للتطبيق. (الجدار المزعوم وحده يمكن أن تصل تكلفة بنائه إلى 25 مليار دولار). وأما المجال الذي يمكن لترامب أن يكون خطيراً فيه فهو السياسة الخارجية، لأنه المجال الذي يمكنه أن يعمل فيه على سجيّته من دون أن يكون مقيداً بالقوانين. ومن المحتمل جداً أن يعيّن وزيراً «جمهورياً» للخارجية ذا خبرة واسعة مثل ريتشارد هاس وآخر للدفاع مثل ستيفن هادلي، وبهذا يكون قد ضمن تعيين شخصين خبيرين في هاتين المهمتين الحساستين. وتتعقد المشكلة وتزداد خطورة عندما يتعلق الأمر بطريقة التعامل مع «شفرة» توجيه الأوامر بالضربات النووية، وإذا حدث وأعطى أمراً باستخدامها، ما من أحد يدري ما إذا كان مساعدوه سينفذونه. وعلينا أن نعترف بأن ترامب كان على حق عندما وصف النظام الاقتصادي بأنه مغلق تماماً في وجوه الأميركيين العاديين، وخاصة من طبقة العمال منذ عام 1979، وأن أجور العمل للساعة الواحدة في أوساط عمال الطبقة دون المتوسطة، لم تشهد أي تغيّر منذ زمن بعيد. واليوم، نحن نشكل وطناً منقسماً على ذاته ليس فقط من النواحي الأيديولوجية، بل من ناحية الهوية والانتماء الوطني أيضاً، فلقد صوّت البيض لترامب بنسبة 21 نقطة مئوية، وصوت السود لكلينتون بنسبة 80 نقطة مئوية إلا أن ترامب هو الذي فاز. ولو كانت النساء وحدهن اللائي يمتلكن حق التصويت لفازت هيلاري كلينتون بفارق كبير. لقد انقضى وقت التقييم والتصنيف وبدأ وقت القبول بالنتائج التي لا يمكن رفضها. ولقد فاجأنا ترامب بهذا الفوز العريض وبطرق متعددة. ودعنا نأمل وندعو الله أن يساعدنا على تناسي الشروخ التي أحدثها في بنيتنا الاجتماعية بسبب تصريحاته غير المنضبطة. ولنعطه فرصة، ونساعده على صيانة قيمنا التي نتمسك بها. نيكولاس كريستوف كاتب أميركي حائز على جائزة بوليتزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»