قد أكون من ضمن حفنة قليلة على مستوى العالم توقعت فوز المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» برئاسة الولايات المتحدة الأميركية أمام المرشحة الديموقراطية «هيلاري كلينتون» وذلك لعدة أسباب. فقد كانت «آلة» الإعلام الأميركية تقف بقوة خلف «هيلاري» ولكن قناعتي أن المواطن الأميركي لم يعد نفس مواطن ما قبل ثورة المعلومات والإعلام الرقمي والذي كان يتأثر بسهولة بما يقوله الإعلام التقليدي. ثم كان السبب الثاني المتمثل في وقوف مراكز الدراسات والبحوث واستطلاعات الرأي جميعها تقريباً خلف «هيلاري»، ولكني أيضاً اعتقدت أن المواطن الأميركي لم يعد يهتم بتقارير استطلاعات الرأي قدر اهتمامه بما سيفعله المرشح للرئاسة بصرف النظر عن خلفيته الحزبية. وقد اتضح للعيان أن تقارير استطلاعات الرأي قد فشلت في الوصول إلى العينة «الهادئة» التي لم تفصح قبل الانتخابات عن قرارها، الذي كان لترامب. أضف إلى ذلك ما قرأه العالم أجمع من أن العديد من رموز المجتمع الأميركي بما فيهم الرئيس المنتهية ولايته «باراك أوباما» قد أعلنوها صراحة أنهم سيهاجرون ويتركون الولايات المتحدة الأميركية لدول أخرى في حال فوز «ترامب» بالرئاسة إضافة إلى قيامهم مع «هيلاري» بتوجيه انتقادات أخلاقية لاذعة إلى ترامب، وأغفل هؤلاء حقيقة أن معظم الشعب الأميركي «عاطفي» ويقف دوماً مع من يراه «الضحية». ثم كان السبب الأقوى والذي كان برأيي «القشة التي قصمت» ظهر حملة «كلينتون» الانتخابية وتسببت في «الصدمة» النفسية التي ما زالت تمر «هيلاري» بها بعد الانتخابات. وهذا يكمن منذ البداية في محتويات البرنامج الانتخابي لكلا المرشحين والذي دفع النساء وأصحاب البشرة السمراء والذين ينحدرون من أصول لاتينية إلى التصويت لترامب بنسبة أكثر ممن صوتوا لكلينتون. ودعونا نسرد أمثلة مما أعلنه المرشحان في ثلاث قضايا مهمة تعامل ترامب معها بمنطق «دراسات الجدوى الاقتصادية». في الجانب الاقتصادي، أعلن «ترامب» عزمه خلق اقتصاد متحرك وقوي ينتج 25 مليون وظيفة جديدة خلال العقد القادم إضافة إلى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 3.5% سنوياً. وفي المقابل قالت «كلينتون» إنها ستلتزم بالأبحاث وتقنية المعلومات لخلق صناعات ووظائف في المستقبل إضافة إلى تطبيق سياسات عادلة وذكية تضمن وجود وظائف جديدة كأولوية اقتصادية، والالتزام باقتصاد قوي يتغلب على معوقات النمو. وفي جانب التعليم، أعلن «ترامب» أنه سيضخ فوراً حزمة استثمارات اتحادية بقيمة 20 مليار دولار لمصلحة المدارس والتي منحها «ترامب» الفرصة للمساهمة بـ110 مليار دولار من ميزانيتها يتم إضافتها إلى الـ20 مليار دولار الحكومية مما سيتيح لكل مدرسة تخصيص 12 ألف دولار لتطوير التعليم العام من الحضانة إلى الصف الثاني عشر، وبالتالي مساعدة الطلبة الفقراء على التحصيل الدراسي. وفي المقابل قالت «كلينتون» إنها ستعيد بناء المدارس الأميركية وتمنح الفرصة لكل طالب أميركي لدراسة علوم الحاسوب. وفي مجال الصحة، قال «ترامب» إنه سيستبدل سياسة «أوباما» للرعاية الصحية بأخرى ترتكز على «حسابات التوفير الصحي» وسيمنح الفرصة للمواطن الأميركي بشراء وثيقة تأمين صحي من أي ولاية مما سيخلق منافسة قوية بين شركات التأمين الصحي لتقديم أسعار تنافسية وخدمات أفضل. أما «كلينتون» فقالت إنها ستعمل على تخفيض تكلفة أسعار الدواء وستضاعف التمويل الحكومي لمراكز الرعاية الصحية. والمحصلة كانت واضحة، فقد قرأ المواطن الأميركي البرنامجين وأدرك بوضوح أي مرشح قال حقائق وأرقام ومن كتب فقط «كلاماً مرسلاً» وبالتالي جاءت النتيجة فوز ترامب ليس فقط في الولايات المحسوبة على الحزب «الجمهوري» بل «الديموقراطية» أيضاً بجانب الولايات المتأرجحة. لقد أثبت المواطن الأميركي أنه يتمتع بقدر عالٍ من الوعي السياسي عندما لم يتأثر بالإعلام وتقارير استطلاعات الرأي العام، وقرر أن يمنح صوته لمن شعر أنه قريب من أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية.