لم يعد عالم التواصل الاجتماعي عالماً افتراضياً مفارقاً للواقع والحقائق الحياتية، بل بات واقعاً حقيقياً، معاشاً ومؤثراً وقادراً على صناعة الرأي العام وتأليف جماعات المصالح، ففي ساحاته تتوفر الأفكار والأشياء من كل صنف ونوع، وفيه تجري معاملات تجارية ومالية ويتم عقد صفقات وربط علاقات وتحالفات بين أطراف كثيرة، كما تجري مواجهات وحروب ومعارك محتدمة. وفي كتابه «حروب مواقع التواصل الاجتماعي»، يحاول إيهاب خليفة استكناه ماهية شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، متسائلا: كيف نشأت وتطورت؟ وكيف أصبحت مجالًا مفتوحاً لحروب من نوع جديد؟ وما هي أدوات وأطراف ومعايير الانتصار في حروبها؟ وكيف يمكن للدول أن تتعامل معها؟ يهتم الكتاب بإبراز الطريقة التي غيرت بها الإنترنت شكل الحياة البشرية، موضحاً أن ثورة المعلومات وظهور الإنترنت أثرا على كافة مناحي الحياة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية أم اجتماعية. فمع استمرار تطور الإنترنت ظهرت المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي التي كان لها دور رئيسي في تغيير ثقافة الأفراد، فتشكل أكبر تجمع افتراضي للسكان في العالم (أكثر من ملياري مستخدم). ومع وجود هذا التجمع السكاني الافتراضي الهائل على الشبكات الاجتماعية، كان من الطبيعي أن تنتقل الصراعات إلى ساحاتها، وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من شبكة الإنترنت الدولية فقد أصبحت ميداناً مفتوحاً للمعارك والحروب الافتراضية. ويعتقد المؤلف أن مواقع التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل العديد من المفاهيم والأفكار، لاسيما مفهوم الكتابة وأساليب الإعجاب، كما ساهمت في تطوير صناعة البرمجيات وإنعاش أسواقها، فظهرت العديد من التطبيقات، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقات الهاتف المحمول، تستهدف تحقيق متعة المستخدمين وتقديم أفضل خدمات التواصل والتسلية. لكن الأمر في عالم وسائل التواصل الاجتماعي لم يقتصر على مجرد التواصل وإرضاء الطلب على التسلية، بل صاحبته -كما يوضح الكتاب- ظواهر سلبية وممارسات ضارة للغاية، مثل عمليات الابتزاز والنصب الإلكتروني، ونشر الشائعات والمحتويات غير الأخلاقية.. وسواها من الجرائم الإلكترونية. إلا أن الغلبة كانت للظواهر السياسية، حيث تم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «الفيسبوك»، كوسيلة لعمليات الحشد والتعبئة العامة وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات الفئوية، بل شمل تحريف الحقائق وتزويرها وتلفيق التهم. كما أصبحت هذه الشبكة وسيلة تقوم من خلالها بعض الحركات الإرهابية بتجنيد أفرادها والترويج لأفكارها. وبذلك ظهرت حروب التواصل الاجتماعي، وهي حروب ذات نمط معين وخصائص مميزة، تختلف عن الحروب التقليدية في وسائلها وساحاتها وأساليبها، لكنها لا تقل ضرراً وتأثيراً على البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدول والمجتمعات. وكما يوضح الكتاب، فقد ظهرت حروب مواقع التواصل الاجتماعي في سياق حروب الجيل الرابع، وهي حروب تعتمد على استخدام سائر الوسائل من قبل مجموعات غير نظامية، بغية الإضرار بالبنى الاجتماعية للدول أكثر من أمنها التقليدي، ويمكن النظر إليها على أنها «استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب اهتمام الرأي العام، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، ومحاولة التأثير عليه أو توجيهه أو تضليله، عبر وسائل التواصل الحديثة، سواء أكانت مواقع إنترنت أو تطبيقات هاتفية للتواصل الاجتماعي، خلال فترة زمنية معينة، بدوافع سياسة أو عسكرية». وبذلك يتضح حجم التحدي الذي تفرضه شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي على الدول وأجهزتها الأمنية، خاصة مع تزايد أنماط الاستخدام الخطرة للشبكات الاجتماعية وتطبيقات الموبايل.. وذلك ما يتطلب من الدول والحكومات اعتماد سياسات وطنية لمواجهة حروب وسائل التواصل الاجتماعي، تعيد بموجبها تعريف التهديدات الإلكترونية بصفة عامة، والتهديدات التي تطرحها هذه الشبكات بصفة خاصة، بما يحافظ على الأمن العمومي، وعلى خصوصيات الأفراد في الوقت ذاته. محمد ولد المنى المؤلف: حروب مواقع التواصل الاجتماعي المؤلف: إيهاب خليفة الناشر: العربي للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 2016