كنت قد توقفت في مقالي السابق عند نقطة مهمة، وهي أن أجندة السياسة الأميركية تعمل ومنذ مدة طويلة على استخدام الطائفية كمحور لتنفيذ مخططاتها ومشاريعها في المنطقة، وكان الهدف من ذلك هو استبعاد الطائفة السنّية من قيادة المنطقة وإعطاء القيادة للطائفة الشيعية. وقد أخذت مثل هذه السياسة أبعاداً خطيرة بعد أن قامت إيران بإحداث نوع من التغيير الديموغرافي في العراق وسوريا وممارسة سياسة التجريف والتخويف والتمييز الطائفي والعنصري ضد العرب السنة والإخلال بالتوازن القائم في التركيبة السكانية، خاصة بعد أن وجدت من الولايات المتحدة دعماً لتنفيذ هذه المهمة، على اعتبار أنها دولة طائفية والوكيل الإقليمي في المنطقة القادر على تنفيذ مثل هذه المخططات، وبحكم تجاربها في هذا المجال، خاصة في نشر الاضطراب والفرقة داخل المنطقة، فكل التقارير تقول إن إيران تستضعف مواطنيها من السنَّة، وتقمعهم بكل الوسائل، وتحرمهم من أبسط حقوقهم، وتمنعهم من الانضمام للجيش والأجهزة الأمنية والمناصب المتوسطة والعليا، وتستبعدهم من المدن الرئيسية (مثل طهران وشيراز)، وتمنع حتى أن يكون لهم مسجد يصلون فيه داخل العاصمة الإيرانية، وتعتقلهم وتسجن مشايخهم وعلماءهم وتعدم الكثير منهم. ولسذاجة الساسة في إيران فإنهم لا يدركون أن العرب يقرؤون التاريخ جيداً ويعرفون أن مثل هذه السياسة نسخة مكررة لما فعلته الدولة الصفوية التي تمثل الآن جوهر السياسة الإيرانية المليئة بالدسائس والمؤامرات والخطابات الكاذبة، والتي تعمل على تفتيت وحدة الأمة الإسلامية لخدمة مصالح القوى الأجنبية الاستعمارية، فالمشروع الإيراني الحالي يتطابق تماماً في ممارساته مع ما كانت تفعله الدولة الصفوية في عهد الشاه إسماعيل، وينسجم مع رؤيته ومحاولاته للسيطرة على المنطقة والتعاون مع البرتغاليين والإنجليز الذين جاؤوا لاستعمار المنطقة وكانوا يمثلون القوى العظمى في تلك الفترة. ولم يوقف ذلك التوجه الصفوي في حينه إلا الدولة العثمانية التي تصدت لهم وحافظت على الهوية السنّية للأقاليم التابعة لها في المشرق العربي وشمال أفريقيا. وفي الوقت الذي كان العثمانيون ينطلقون شمالاً وغرباً في فتوحاتهم ودفاعهم عن الإسلام، كما يقول السيد أبو داود في كتابه «تصاعد المد الإيراني في العالم العربي»، فقد بدأ الصفويون منذ عهد المؤسس الشاه إسماعيل الصفوي العمل على نشر الاضطرابات عبر الحدود الشرقية للدولة العثمانية، وباغتوها من الخلف لكيلا تستكمل فتوحاتها وتدافع عن الإسلام. وبدلاً من أن يضع الصفويون يدهم في يد العثمانيين لحماية الحرمين الشريفين من التهديد البرتغالي، وضعوا أنفسهم في خدمة الأسطول البرتغالي لطعن الدولة العثمانية من الخلف. ويتابع الكتاب: لقد كان تحرك الصفويين في المشرق، والمؤامرات التي كانوا يديرونها مع أعداء الإسلام ضد الدولة العثمانية، والإصرار على نشر مذهبهم الشيعي في المنطقة، ومحاولتهم التوسع على حساب أهل السنة، والفظائع الوحشية التي كانوا يرتكبونها ضد سكان المناطق السنية.. كل ذلك هو ما حرك العثمانيين للتوجه نحو قتال الصفويين وتأديبهم والحد من نشاطهم المشبوه. وبشهادة المؤرخين فإن عهد الدولة الصفوية هو الذي مهد الطريق لدخول الاستعمار إلى المنطقة. وإيران اليوم تستكمل حلم الإمبراطورية الصفوية للهيمنة على المنطقة، خاصة بعد أن نجحت في إدخال القوى الأجنبية وتأجيج مشاعر العداء بين السنة والشيعة على مستوى العالم الإسلامي، ونشر الفرقة والاضطراب في المنطقة العربية.