بعد حملة انتخابية طويلة ومحمومة، قال الناخبون الأميركيون أخيراً كلمتهم يوم الثلاثاء واختاروا المرشح الجمهوري دونالد ترامب القادم من خارج المؤسسة السياسة الأميركية، رئيساً لهم، في فوز جديد للشعبوية على السياسة التقليدية في العالم، ما حدا بالكثيرين لوصف الحدث بلحظة «بريكسيت» الأميركية، ذلك أن الأميركيين –أو أغلبية منهم على الأقل- آثرت ترجيح كفة مرشح شعبوي اشتهر بتصريحاته المثيرة للجدل، ومناوئ للهجرة واتفاقيات التجارة الحرة، ومؤيد للانكفاء على الذات والانسحاب من العالم، على حساب هيلاري كلينتون، السياسية الديموقراطية المخضرمة. ومع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، تتكرس قوة مدّ الشعبوية الجارف عبر أوروبا والولايات المتحدة؛ حيث حققت الأحزاب الشعبوية في القارة العجوز صعوداً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في ضوء تدفق اللاجئين الفارين من الحروب على القارة، صعود ظهر على الخصوص في المجر وبولندا والنمسا والسويد وفرنسا، حيث حقّقت الأحزاب المناوئة للإسلام والهجرة والاتحاد الأوروبي، نتائج انتخابية مهمة. وفي هذا السياق يندرج أيضاً فوز المعسكر المؤيد لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو 2016، والذي تزعمه «حزب الاستقلال» البريطاني اليميني المتطرف. لكن ما الشعبوية؟ وما مصدرها؟ ولماذا تحقق صعوداً لافتاً على جانبي الأطلسي؟ هذه بعض من الأسئلة التي يحاول الكاتب والصحافي الأميركي جون جوديس في كتابه الجديد «الانفجار الشعبوي»، شرحها كظاهرة سياسية عصية على الفهم وآخذة في التوسع. التعريف البسيط للشعبوية هو أنها نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماجوجية ودغدغة عواطف الجمهور، بدلاً من مصارحته ومخاطبة عقله ومكاشفته بالحقيقة المرة. وفي كتابه «الإقناع الشعبوي» الصادر عام 1995، يصف المؤرخ الأميركي مايكل كازن الشعبوية باعتبارها «لغة» يستعملها الناس العاديون والسياسيون الأغنياء الذين يزعمون التحدث باسمهم لتنظيم أنفسهم ضد النخب التي ينظرون إليها على أنها «غير ديموقراطية ولا تخدم إلا نفسها». جوديس يرصد الشعبوية في الولايات المتحدة، التي أدى فيها ركودُ الأجور، ورحيل الشركات، وتفشي الخوف من الضياع، وفقدان البوصلة في الاقتصاد العالمي.. إلى توحيد كل من بيرني ساندرز ودونالد ترامب في السخط على الاتفاقيات التجارية، لكنه يحرص في الوقت ذاته على التمييز بين الشعبوية الاقتصادية اليسارية لساندرز وحزب «بوديموس» المناوئ للنخبة في إسبانيا، الذي ينتصر لـ«الشعب» في مواجهة الـ1 في المئة، من جهة، وبين الشعبوية الثقافية اليمينية لترامب و«حزب الشعب» الدنماركي المناوئ للمسلمين، من جهة ثانية. أما الفرق فهو أن الشعبويين اليمينيين يتّهمون النخبة بـ«تدليل» مجموعة ثالثة دائمة التحول، تشمل المهاجرين، والسود، والإرهابيين، والمستفيدين من نظام الرفاه الاجتماعي، أو جميع هؤلاء. ووفق المؤلف، فإن الحديث الشعبوي حول كبش فداء هو ما يمنح الشعبوية اليمينية قوتها الحالية، لا سيما في أوروبا التي تواجه مشاكل كبيرة تتعلق بالاقتصاد والهجرة والإرهاب، أكثر حدة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة. جوديس يلقي الضوء على البلدان العشرة التي فاز فيها مرشحون شعبويون أو أصبحوا جزءاً من ائتلافات حاكمة فيها، بعد «الركود الكبير» لـ2008، لافتاً إلى أن الدول الشمالية، «المحاصَرة» بالمهاجرين، باتت تميل يميناً، ومثال ذلك بريطانيا التي تزعّم فيها «حزب الاستقلال» حملة الانسحاب من أوروبا من خلال كتلة ناخبة أكبر سناً وأقل تعلماً تشبه إلى حد كبير كتلة ترامب الناخبة. هذا في حين أن دول جنوب أوروبا، مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان، التي لديها اقتصادات تعاني من ركود شديد يضاهي من حيث حدّته الأزمة المالية والاقتصادية التي عرفتها الولايات المتحدة في الثلاثينيات، مالت إلى اليسار، الذي يعني حالياً رفض ومقاومة نخب الاتحاد الأوروبي، وليس الاشتراكية. وفي ختام كتابه، يكشف جوديس عن موقف إيجابي من الشعبوية اليمينية؛ حيث يعتقد أن ترامب والشعبويين اليمينيين الأوروبيين «وطنيون قبيحون»، لكنهم ليسوا فاشيين، مشدداً على أن حتى الشعبويين الذين لديهم نزعات سلطوية يؤمنون بالعمل من داخل النظام الديموقراطي، وليست لديهم الطموحات الترابية التي كانت محورية بالنسبة إلى الفاشية الألمانية والإيطالية. وبالمقابل، يرى جوديس أن ترامب يشبه إلى حد كبير رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، الملياردير وقطب الإعلام الإيطالي «المهرَّج». محمد وقيف الكتاب: الانفجار الشعبوي.. كيف غيَّر الركود الكبير السياسة الأميركية والأوروبية المؤلف: جون جوديس الناشر: كولومبيا جلوبل ريبورتس تاريخ النشر: 2016