منذ أن بدأت أزمة اليمن والخلافات بين المخلوع صالح والمتمردين «الحوثيين» تظهر تارة على السطح وتبين للعيان، وتارة أخرى تجمعهم المصالح وتحالفهم الباطل والساعي لتدمير البلاد وتجويع العباد. ولا يمكن لهذين الطرفين الانقلابيين الاتفاق والالتفاف بعضهم مع بعض، فما بني على باطل فهو باطل، ولا يمكن أن يستقيم ويستمر على نفس المستوى التي جمعهم أول مرة، وجعلهم يتآمرون ضد وطنهم وينفذون أجندات إيرانية للنيل من المنطقة وأهلها. وعلى رغم انخراطهم معاً في المؤامرة ومسيرتهم العاثرة العمياء معاً على درب العمالة، فلكل منهم مع ذلك أيضاً مطامحه ومطامعه ومصالحه الخاصة، واتفاقهم وتحالفهم ضد الشرعية في اليمن كان أصلاً من أجل تحقيق تلك الأهداف الحزبية والطائفية الرديئة لـ«الحوثيين»، وهو ما لاقى هوى لدى صالح الذي توهم إمكانية تحقيق حلمه المفقود في العودة إلى السلطة من النافذة، بعدما طرده الشعب اليمني منها طرداً، ومن الباب العريض. كما سعى المخلوع أيضاً إلى تأمين نفسه من المتابعة على جرائم الحرب التي ارتكبها طيلة الفترة الماضية. ولكن أثبتت الأيام أن كل مكائد المخلوع و«الحوثيين» ارتدت عليهم، وأن حساباتهم المغلوطة انهارت، ودعاواهم بارت، وأن ما حركهم من الآمال الشخصية العراض تحول مع مرور الوقت إلى إخفاقات وآلام عراض. والشقاق الذي يدور الآن بين الأشقياء «الحوثيين» والمخلوع صالح ليس بغريب، فلكل منهم مصلحته ضيقة الأفق التي يحاول الدفع بها على حساب الطرف الآخر وعلى حساب الشعب اليمني كله، وقد حرص «الحوثيون» على إبقاء عبدالخالق الحوثي رئيساً للحرس الجمهوري، لأن لديهم نية حمقاء بمباغتة صالح ومن والاه، بعد الاستيلاء على المؤسسات كافة، وتحقيق حلمهم المنشود في التفرد بالسلطة ورمي المخلوع في سلة المهملات بعد أن يستنفدوا دوره ويستغنوا عنه كشريك في المؤامرة. وفي علاقة الشراكة التآمرية هذه أيضاً غباء وسذاجة من المخلوع بأن يسلم عنقه ويلف الحبل حوله بأيدي «الحوثيين» وخاصة أنهم على شقاق قديم معه، وقد دارت بينهم رحى الحرب، وهو يعرف جيداً خبثهم، وقد خبَر سوء طويتهم وغدرهم، ولن يترددوا في التخلص منه بسهولة في حال أن تم الوصول إلى مرادهم. و«الحوثيون» يسعون لتعزيز الانتماء العقائدي المتعصب والولاء المذهبي المتطرف بين أفراد المليشيات المتبقية لهم من عصابة صالح، وهم يريدون إشاعة صور التعصب والتصلب والطائفية كافة التي وجدوا مفعولها وتأثيرها أقوى من الولاء العائلي بين أفراد الحرس الجمهوري، الذي كان صالح يعمل على تعزيزه وتوثيق تبعيته له على أسس طائفية أيضاً. والنتيجة الآن واضحة فاضحة فنار الخلافات تشب الآن بينهم لعدة أسباب، أولها مساعي كل طرف لتقوية نفوذه داخل المؤسسات الحكومية التي استولوا عليها بشكل غاشم في صنعاء، وداخل وحدات الجيش الموالية لصالح. والمثير في تحالفهم أن الطرفين كل منهما يحاول الوصول إلى هدفه المبيّت للانقضاض على الطرف الآخر والانفراد بـ«الكعكة»، التي كانوا يطمحون إلى الوصول إليها، ولذلك يبقى تحالفهم الهش مبنياً على مصالح وقتيه وأسس واهية ستزول بعد أي متغيرات جديدة قد تطرأ عليهم، أو على المشهد اليمني الرافض لهم بشكل قاطع، والذي يمسك الآن زمام المبادرة، ويقف صفاً واحداً خلف قيادته الشرعية في مواجهتها مع المتآمرين «الحوثيين» وبيدقهم المخلوع. وبات أيضاً تودد صالح إلى المملكة العربية السعودية مؤخراً ونعتها بالشقيقة الكبرى في خطاباته وكلماته رسالة واضحة وصريحة برغبته في تحويل مجرى الحرب، والمكر من جديد على جميع أطرافها. واتساع شقة الخلاف بين صالح و«الحوثيين»، الذي انكشف الآن للعام والخاص، دليل واضح للعالم أجمع بأن هؤلاء المتآمرين كاذبون في كل ما يقولون، وكل ما ينشرون، فإعلامهم الكاذب ينشر صوراً وأخباراً ملفقة، رغبة في تشويه صورة التحالف الداعم للشرعية اليمنية، والساعي لرد الظلم والجور والعدوان عن اليمن وأهله. ولعل أبرز مثال على تضليل وكذب الانقلابيين «الحوثيين» وصالح هو تلك الصورة التي عرضتها مذيعة الـcnn خلال مقابلتها مع المتحدث الرسمي لقوات التحالف أحمد عسيري لفتاة يمنية تعاني المجاعة، إلا أن تلك المذيعة لم تكن مدركة أن هذه الصورة موجودة في المواقع الإلكترونية منذ عام 2014، أي أنها موجودة أصلاً قبل قيام عاصفة الحزم!