أعتقد أن افتتاح الدورة الشتوية للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) تكشف عن تصاعد درجة الضراوة اليمينية من الائتلاف الحكومي تجاه عرب 1948 من ناحية وتجاه الضفة الغربية من ناحية ثانية وعن صعوبة المرحلة القادمة في حياة الفلسطينيين من ناحية ثالثة. تظهر الضراوة المتصاعدة في خطاب رئيس الوزراء نتنياهو كما تظهر في موقف المقاطعة من أحزاب الحكومة لكلمات أعضاء الكنيست العرب. لقد أكد نتنياهو في موضوع الاحتلال والاستيطان اليهودي أنه لا يقبل أي إملاءات خارجية، ويعني هنا أنه يرفض تدخل المجتمع الدولي الذي يطالب بوقف عمليات الاستيطان للضفة. وقد طالب الرئيس الأميركي بالتمسك بمبدأ المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. من الواضح أن نتنياهو منزعج من الأخبار المنتشرة في الصحافة العالمية والتي تفيد أن الرئيس أوباما سيقدم مبادرة بعد انتهاء الانتخابات الأميركية قد تأخذ شكل إصدار قرار ملزم لإسرائيل من مجلس الأمن بوقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال والتمكين لحل الدولتين. نتنياهو يفضل إبعاد أيدي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والمبادرة الفرنسية عن علاقته بالسلطة الفلسطينية ليواصل لعبة الدوران في دائرة المفاوضات المفرغة التي أصبح يتقنها ويضيع الوقت من خلالها. الجديد الذي أفصح عنه نتنياهو هو تصوره أن الحفاظ على دولة إسرائيل قوية، هو الطريق الذي سيجعل العرب يقدمون على إقامة صداقات وتحالفات معها، بل وسيجعلهم يضغطون على الفلسطينيين ليقبلوا بالتفاوض. من الواضح أن نتنياهو هنا يحلم حلماً خبيثاً غير قابل للتحقيق بأن نقبل شروطه المجحفة للتسوية ونتناسى مبادئ مبادرة السلام العربية التي تضع إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية معادلاً للسلام والعلاقات الطبيعية. لقد أكد نتنياهو تمسكه بدعم الاستيطان في الضفة، كما سبق أن رفض قرار اليونسكو الذي أكد عروبة المسجد الأقصى وكونه مكاناً للمسلمين دون غيرهم. لكن علينا أن نعترف بأن ما يسمح لنتنياهو بالتفكير من خلال العضلات والقوة وفرض الإرادة الإسرائيلية، هو تلك الحالة المؤلمة من التمزق العربي والتدخلات الإيرانية في مواقع حيوية من الخريطة العربية، والتي تجعله يتبجح بالقول إن إسرائيل هي الدولة المستقرة والقوية الوحيدة في المنطقة! إنه يشعر إزاء هذه الحالة بأنه مطلق اليدين. إذا نظرنا إلى الموقف الذي اتخذه الائتلاف الحاكم بمغادرة أعضائه في الكنيست أماكنهم عندما يتحدث الأعضاء العرب، سنجد أن مَن دعا إليه هو وزير الدفاع ا?يجدور ليبرمان، بتأييد من نتنياهو، والسبب المعلن أن أعضاء الكنيست العرب رفضوا المشاركة في جنازة شمعون بيريز، ما اعتبره اليمين الإسرائيلي فرصة لتأليب الرأي العام ضد عرب 1948 وممثليهم في البرلمان ولتطبيق نظرياته التي تعتبر هؤلاء النواب خونة لإسرائيل لتعاطفهم مع القضية الفلسطينية ولمشاعر الانتماء العربي الفلسطيني الغالبة عليهم. وقد لخص «أيمن عودة»، رئيس القائمة المشتركة، قرار حزبه بمقاطعة جنازة بيريز، حيث قال: «كان يوم الجنازة يوم حداد وطني لا مكان لي فيه، لا في الرواية ولا في الرموز التي تستثنيني، وليس في قصص بيريز كرجل بنى دفاعات إسرائيل». إنها كلمات تلخص التناقض الحاد بين الواقع القانوني الإسرائيلي وبين الوعي عند عودة بمأساة شعبه التي كان بيريز أحد صناعها. إن «عودة» يعي أن اليمين الإسرائيلي يفضل التخلص من عرب 1948 بدليل بعض الطروحات السياسية الإسرائيلية التي تقترح مقايضة الأماكن التي يسكنها هؤلاء العرب داخل «حدود إسرائيل» بأماكن في الضفة، ليلتحقوا بالكيان الفلسطيني ولتخلو إسرائيل لليهود. إن هذا الوعى يملي على «عودة» ورفاقه التمسك بالصلابة، لذا قال رداً على قرار أحزاب الحكومة، إنه لا يشعر بالمفاجأة تجاه هذه الخطوة التي تؤكد السياسات الفاشية والعنصرية للحكومة، وأضاف: «حتى لو خرجتم من القاعة وأغلقتم عيونكم، فإننا سنبقى هنا وسنواصل العمل في كل القطاعات، بما في ذلك البرلمان، من أجل السلام والمساواة».