في غضون شهر واحد خطت دولة الإمارات خطوتين كبيرتين لتهيئة البنية التشريعية والقانونية لمرحلة ما بعد النفط من خلال إصدار قانون الإفلاس بداية الشهر، والقانون الخاص بإنشاء الهيئة الاتحادية للضرائب في نهاية شهر أكتوبر الماضي. وقد شرحنا في مقال سابق أهمية قانون الإفلاس لتشجيع الاستثمار، في الوقت الذي يشكل مرسوم الهيئة الاتحادية للضرائب أهمية كبيرة لتنظيم المالية العامة، حيث أشار صندوق النقد الدولي قبل إصدار قرار الهيئة بأيام قليلة في تصريح «يشيد فيه بجهود دولة الإمارات في تطوير مؤشرات الأداء المالي». من المعروف أن نظام الضرائب يمثل ركناً أساسياً من النظام المالي للاقتصادات الحديثة، حيث تشكل الضرائب بأنواعها كافة أحد أهم مصادر الدخل والتمويل لموازنات الدول، بل إنه لا يمكن تصور هذه الموازنات، وبالأخص في البلدان الأوروبية وأميركا الشمالية من دون الضرائب، والتي من دونها ستتعرض هذه البلدان لمصاعب اقتصادية جمة. وتمتلك هذه الدول تاريخاً من التطور لأنظمة الضرائب، والتي مضى على بعضها أكثر من مئتي عام، أدخلت خلالها الكثير من التغيرات وفقاً للتجربة، وللأوضاع الاقتصادية التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل التطور، مما يعني أن نظام الضرائب هو عبارة عن أداة مالية فاعلة للتحكم في جوانب مهمة من الأوضاع المالية وتسخيرها للتنمية وضبط الأوضاع الاقتصادية والتغلب على العديد من المصاعب التي قد تبرز بين فترة وأخرى. من هنا جاءت أهمية إصدار مثل هذا التشريع والذي يستجيب لمستوى التطور الذي حققته دولة الإمارات وبعض دول مجلس التعاون التي تشهد تحولات مهمة، وبالأخص بعد التغيرات في أسواق وأسعار النفط في الآونة الأخيرة، مما يتطلب تهيئة البنية التشريعية والقانونية لاستيعاب هذه التغيرات وتجاوز بعض السلبيات الناجمة عنها. لقد جاء قانون هيئة الضرائب شاملاً، حيث نص على تطبيق القوانين والأنظمة المعمول بها فيما يخص الضرائب الاتحادية والغرامات المرتبطة، وسداد ما يترتب عليه من التزامات مالية، وتطبيق منع الازدواج الضريبي مع الدول الأخرى التي تصدق عليها الدولة. وفي جانب آخر نص القانون على مكافحة التهرب الضريبي بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة داخل وخارج الدولة، كما نص على أهمية إدارة وتحصيل الضرائب الاتحادية والغرامات وتوزيع إيراداتها بالتنسيق مع الوزارات. وبما أنه سيترتب على تطبيقه جوانب فنية وإحصائية مهمة، فقد حدد المرسوم اختصاصات الهيئة فيما يتعلق بجمع البيانات والمعلومات والإحصاءات المتعلقة بالضرائب الاتحادية وإنشاء سجلات لدافعي الضرائب والاحتفاظ بها، مع الاستفادة من تجارب وخبرات الدول والمنظمات والهيئات الدولية ذات العلاقة بالأنظمة الضريبية. وفي الجانب التنظيمي تضمن المرسوم أيضاً الهيكل الإداري ذا الطابع الحديث من خلال تأسيس المجلس المختص بإدارة الهيئة الاتحادية للضرائب وتكليفه بـ«إصدار اللوائح المالية المكملة وفق أسس الشفافية والمساءلة»، كما جاء في المرسوم الذي حدد أيضاً مهام المدير العام للهيئة واختصاصاته. من ذلك يتضح أن هذا القانون جاء متكاملاً ليعبر عن توجه لتطوير الأنظمة والتشريعات التي ستجد لها انعكاسات إيجابية على البنية التشريعية والقانونية من جهة وعلى التنمية الاقتصادية من جهة أخرى، إذ إنه من المعروف أن قاعدة البيانات والإحصاءات تشكل محوراً أساسياً يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ القرارات التنموية وتحديد اتجاهات التنمية ومحاورها. وبما أن الكثير من المؤشرات والإحصاءات لا يمكن جمعها إلا من خلال نظام شامل ومتكامل للضرائب، فان هذا القانون إلى جانب دوره المالي المهم سيضيف الكثير لتطوير قاعدة البيانات والإحصاءات، مما سيمنح المؤشرات الاقتصادية الصادرة مصداقية أكبر ويعزز الثقة بهذه البيانات، وهو ما سيترك بدوره أثراً في جعل أسواق الدولة أكثر جذباً للاستثمارات بأنواعها كافة. *خبير ومستشار اقتصادي