الأمم المتحدة بعد قرابة سبعة عقود من ولادتها من رحم الحربين العالميتين، كانت في البداية عصبة الأمم، فتطورت بعد سنوات قليلة إلى هذه المنظمة الدولية التي تجمدت عند هذا الحد. في عقد السبعينيات والثمانينيات كانت مشاريع التطوير الأممي تطرح من أجل تحويل هذه المنظمة الدولية العريقة إلى «حكومة عالمية» تحكم العالم بدل أن يكون دورها الرئيسي في إصدار القرارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذا الطرح في تحويل «الأمم المتحدة» إلى حكومة عالمية واحدة تحكم الجميع من أقصى الأرض إلى أدناها كان يشبه يومها ما سعى إليه الاتحاد السوفييتي لإنشاء «حكومة عمالية» واحدة تحكم العالم كله، لأن ماركس وأتباعه كانوا يؤمنون بأن الثورات من وحي العمال في المزارع، حتى قامت الثورات في الدول الغربية من وحي الصناعات، أي من خلال الطبقة المتوسطة وليست المعدمة والمسحوقة. وخلال سبعة العقود الماضية خرجت دعوات وعلت أصوات تطالب بتغيير الأنظمة واللوائح التي تحكم عمل المنظمة وآخرها وليس الأخير بالطبع «الفيتو» الروسي الذي وقف ضد مشروع قرار التسوية في سوريا لاعتلاء سلم السلاح في حسم مجريات الأمور في الأرض السورية السائلة بعد أكثر من خمسة أعوام من الصراع الدامي. في وداعية بان كي مون وطوال فترة قلقه الدائم مما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة وفي العالم، فهو يُحمَّل الآن، من وجهة نظر منتقديه، مسؤولية مقتل 300 ألف سوري. فالأمم المتحدة بدل أن تتقدم بقوانينها، أصبحت مكبلة بها ولا تستطيع أن تمارس حراكاً بسيطاً على الأرض المحروقة في سوريا ولو من الناحية الإنسانية، والتي استولى عليها النظام الحاكم هناك على مرأى ومسمع العالم المتمثل في الأمم المتحدة. وبدل إحلال السلم في سوريا يدور حديث حول متى يكون النصر في الصراع المتبادل والمتداخل بين جميع الأطراف المتحاربة، فليس هناك طرف لا يحارب ضمن حرب الكل ضد الكل، من جيش النظام السوري والتدخل الروسي والإيراني والميليشاوي، مقابل أكثر من 15 فصيلاً سورياً بمختلف توجهاتها تحارب الكل، وأحياناً تحارب بعضها بعضاً. فكل ما يحدث في أروقة الأمم المتحدة هو زيادة درجات القلق إلى اللون البرتقالي كما هي حال الدول عندما تعلن أقصى درجات الاستعداد وفقاً للألوان المعروفة لديها. والسؤال الذي يُطرح في هذه الأوقات التي شغلت عقول وقدرات الدول عن وقف النزيف السوري، من الذي يغلب وينتظر في هذا الصراع الطائفي القاني في الاحمرار، والمفني للبشر قبل الحجر في سوريا الوطن المسحوق؟ المعركة الفعلية في سوريا وصلت إلى مرحلة الصراع بين السلاح السوري والروسي والإيراني و«حزب الله» الطائفي اللبناني، الدم السوري المهراق هو المراق. حسب بان كي مون ثلاثمائة ألف سوري قتلوا، هذا الرقم تقديري، وعندما تنكشف الحقائق سيصدم العالم من الأرقام الصحيحة والتي لا تكذب حينئذٍ. وبالإضافة إلى 13 مليون مهجّر في الداخل و7 ملايين في الخارج أسرى المجتمعات وأسيجة الحدود في العالم أجمع، وذلك من دون ملايين البيوت والمنازل المهدمة والقرى التي أبيدت عن بكرة أبيها، والمبلغ التقديري حتى الآن لإعادة بناء ما هدم 200 مليار دولار لا يشمل طبعاً تعويضات مئات الألوف من الأبرياء الذين لا قيمة مادية لدمائهم في نظر من يريقونها، إلا أنها في رحلة الصراع هذه ستنتصر لأن للدم دوره حتى يأخذ حقه اليوم أو غداً. أما السلاح مهما كان عاتياً وجباراً فتاكاً سواء كان جرثومياً أو عنقودياً أو اهتزازياً أو فسفورياً، فإنه لن يكون أقوى أثراً من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي اللتين خلعتا من الجذور، وظنت أميركا أنها انتصرت، ولكن دماء ثلاثمائة ألف ياباني لم تذهب هدراً ولا سدى، فقد نافست اليابان أميركا عدوتها الأولى أو غريمتها على المراكز الأولى في الاقتصاد وغيرها من المجالات، وهذا هو الانتصار الحقيقي للدماء مقابل معركة السلاح وحده. فالدم السوري سيغلب السلاح السوري والروسي والإيراني والطائفي، لأن التاريخ هو الحكم وله الحكم، اقرؤوا التاريخ جيداً، فأينما أسيلت دماء الأبرياء انتصرت ولو بعد حين، حين تدق أجراس النصر. سوريا منذ الخليقة أرض الحضارات وملتقى جميع أمم الأرض وشعوبها، فالإرهاب المزدوج لم يفت في عضدها، فهي عائدة أقرب مما نتصور إلى حضن الحضارة الإنسانية التي يدميها نظام لا يمارس إلا سفك الدماء، ولا إرهاب يرعب الأحرار ولا أنظمة أخرى مساعدة على جريان المزيد من تيارات الطائفية في أجساد المناعة منها ذاتية والمقاومة ضدها مرضية، فالمنظمة الأممية مع احترامنا لكل أعضائها لا تملك حراك الصراع على الأرض في سوريا، والذين يملكون زمام السلاح في السماء لا يجرؤون بالنزول على الأرض ولو للحظة، فكيف يحل السلم الممنوع عقد هذه الأزمة؟!