يخطف تنظيم «داعش» أنظار العالم بممارساته ورهاناته ومعاركه في معقله الرئيسي بأرض العراق وسوريا، وكذلك حين يقدم على أي عملية إرهابية في أوروبا، ولكن ما يفعله في مصر لا يلقى الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام، مع أن الجيش المصري يخوض حرباً مستمرة ضده في شمال سيناء، وهي حرب فعلية قياساً إلى عدة عوامل، يمكن ذكرها على النحو التالي: 1- يضع فرع «داعش» في مصر الذي كان يسمي نفسه «أنصار بيت المقدس» لنفسه هدفاً خطيراً يتمثل في محاولة اقتطاع جزء من سيناء يمتد من العريش في الجنوب الغربي إلى رفح في الشمال الشرقي، وبامتداد يصل إلى نحو أربعين كيلومتراً في العمق، لإقامة إمارة «داعشية» عليه. 2- يقدم الجيش المصري ومعه قوات الشرطة، تضحيات مستمرة من الشهداء والمصابين، إذ لا يمر أسبوع إلا وتأتي أنباء عن قتلى وجرحى بفعل قاذفات هاون تقصف من بعيد الأهداف الثابتة، وهجمات بالأسلحة الخفيفة من قبل مجموعات إرهابية، وأخرى بعربات مفخخة، أو تلغيم طرق أمام ناقلات الجند والدبابات، وفي المقابل تفيد بيانات الجيش باستمرار بمقتل إرهابيين وإصابتهم، واقتحام معاقلهم في الصحراء وفي المساكن بمدن العريش ورفح، وتدمير عربات دفع رباعي، ومخازن سلاح ومؤن، علاوة على جمع المعلومات عن متعاونين مع الإرهابيين، والقبض عليهم. 3- تقوم مجموعات تكفيرية و«ذئاب منفردة» لـ«داعش» بعمليات في المدن المصرية، بزرع قنابل أو قتل ضباط من الجيش والشرطة ورجال قضاء، وكثير من هذه العمليات أعلن فرع «داعش» في مصر عن تبنيه لها. 4- يتحدث مسؤولون سياسيون وفي المؤسسة العسكرية المصرية دوماً عن حالة الحرب التي تعيشها البلاد، وهو ما يلقى صدى واسعاً لدى وسائل الإعلام. وهناك قطاع عريض من المصريين يؤمن بهذا الاتجاه، ويرى أن «داعش» ينخرط في المؤامرة الكبرى على مصر، والتي تعزى في أصلها إلى جماعة «الإخوان»، وبعض القوى الإقليمية والدولية التي تستهدف مصر عقب إطاحة حكم «الإخوان» في الثالث من يوليو 2013. 5- هناك خليط من حديث رسمي وتناول إعلامي وتحليلات سياسية وعسكرية تتناول تربص تنظيم «داعش» في ليبيا بمصر، وتزداد نبرة هذا الحديث كلما وردت أنباء عن توجه «دواعش» ليبيا شرقاً. ولا تقف مصر مكتوفة الأيدي حيال هذا، فهي تدافع عن أمنها من داخل الأراضي الليبية، عبر مساعدتها لقوات الجيش الليبي، الذي تطالب القاهرة العالم بالموافقة على تسليحه، حتى يكون بمقدرته التصدي لـ«داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تنتشر على الساحة الليبية من أقصاها إلى أدناها. وفي الاتجاه الآخر هناك اتهامات لحركة «حماس» بأنها تغذي الجماعات التكفيرية في سيناء عبر الأنفاق، أو أن أجهزة مخابرات إقليمية تستهدف مصر، تتخذ من غزة مكاناً للقيام بهذه المهمة. ويبدو أن هذه الاتهامات تتأسس بدرجة رئيسية على نقطة البداية، حين تخلصت حكومة «حماس» من بعض العناصر «الجهادية» من «أنصار بيت المقدس» وغيرها، والتي كانت تحرجها، المرة تلو الأخرى مع إسرائيل، باختراق الهدنة، فتخلصت منها «حماس» بطردها إلى سيناء، لتلتحم بجماعة «التوحيد والجهاد» هناك، وتؤسس فرع «داعش» في سيناء. 6- يبدو «داعش» في بعض تصرفاته على الساحة المصرية معطوفاً، في إدراك السلطة المصرية على تاريخ من العنف الدموي الذي شهدته مصر عبر أربع مواجهات إرهابية سابقة، آخرها تلك التي وقعت في تسعينيات القرن العشرين، حين حمل تنظيما «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد» السلاح ضد السلطة، وانزلق العنف، بجوانبه المادية والمعنوية واللفظية والرمزية، إلى المجتمع. وهذا يجعل كثيراً من المصريين، في السلطة وخارجها، يدركون أن «داعش» لم ينبت في الساحة المصرية من فراغ، وإنما يستفيد من الرصيد الاجتماعي والتنظيمي والفكري، للحركات الإرهابية والمتطرفة التي ماجت بها الساحة المصرية، والذي خلق مخزناً بشرياً يغرف منه «داعش»، ويعول عليه، سواء بانضمام خلايا تكفيرية صغيرة إليه، أو بإنتاج ما يسمى «الذئاب المنفردة». هذه العوامل الستة تتفاعل بعضها مع بعض، لتجعل مصر مستهدفة من قبل الإرهابيين أو في مرمى نيران «داعش»، وبما يؤكد، بكل وضوح، أن البلاد تمر بالموجة الخامسة من الإرهاب، وهي جد مختلفة عن سابقاتها، مع استشراء الاتجاه التكفيري وتعمقه، وعولمة الإرهاب، ووجود أحزمة جغرافية تنطوي على بيئات حاضنة ومنتجة وموظفة للإرهاب، ما يعني أن هذه الموجة قد تطول نسبياً، الأمر الذي يعطي مسوغاً قوياً للسلطات المصرية التي قد تتحدث بملء فيها عن خوض الدولة لحرب حقيقية ضد الإرهاب.