لم يتبق الآن سوى أيام على انتهاء ما تعتبر واحدة من أكثر حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية إزعاجاً وإثارة للانقسام في التاريخ الحديث. لو أُجريت الانتخابات اليوم فستكسبها هيلاري بفارق كبير. لكن كل العيون ستكون مركزة على دونالد ترامب في الأيام المتبقية، لرؤية ما إذا كان بمقدوره أن يصبح، مرة أخرى، مرشحاً يمكن الوثوق به، لديه فرصة للفوز. معظم الترجيحات ضد ترامب لعدة أسباب رئيسية: أولاً، أنه يتأخر عن هيلاري بفارق كبير، وفقاً لآخر أرقام استطلاعات الرأي، بما في ذلك الاستطلاع المعروف بـ«استطلاع الاستطلاعات»، أي لاستطلاع الجامع الذي يلخص محصلة أرقام الاستطلاعات العديدة، التي أجريت في الولايات المتحدة في أسبوع. ووفقاً لهذه الاستطلاعات، لدى هيلاري احتمال بنسبة 90 في المئة لكسب عدد كافٍ من الأصوات في المجمع الانتخابي، كي تصبح الرئيسة القادمة. وسيكون من غير المحتمل، بما أنه لم يعد متبقياً على تاريخ الانتخابات سوى أيام قليلة، أن يفقد مرشح لديه هذه الأرقام، الانتخابات، وإن كان هذا ليس مستحيلاً من الناحية النظرية. هناك عدد من الطرق التي يمكن أن تؤدي لتناقص أرقام هيلاري قبل حلول الثامن من نوفمبر: فتعرضها للمزيد من الفضائح بشأن رسائل بريدها الإلكتروني المسربة، يمكن أن يسبب لها مشكلة، وحدوث مشكلة ما تكشف عن ضعف صحتها، لن يكون بالتأكيد فألاً حسناً بالنسبة لها. لكن أكثر موضوع يحتمل أن يؤدي لإضعاف فرص هيلاري، في هذه المرحلة من الحملة، هو الرضا عما تحقق بالفعل، والفشل في حث المؤيدين على الخروج للتصويت في الثامن من نوفمبر المقبل. من حسن الحظ أن حملة هيلاري مستعدة بشكل أفضل بكثير من حملة ترامب، لخوض معركة حشد القواعد الشعبية، التي تعرف بـ«لعبة الأرض» Ground gam، كما أن التصويت المبكر يجري الآن بالفعل في عدد من الولايات الرئيسية، التي تشتد فيها المنافسة. عدد أفراد الطاقم المعاون لهيلاري، يفوق عدد طاقم ترامب بنسبة خمسة لواحد، كما أن حملتها أطلقت نداءً جديداً للتبرع بالمال، لهدف محدد وهو ضمان عدم خسارة الانتخابات في هذه المرحلة المتأخرة، بسبب الافتقار إلى التنظيم في الأيام الأخيرة. في هذا السياق، يمكن القول إن نقطة ضعف ترامب الرئيسية، ما زالت هي ترامب نفسه، الذي يضيع كل فرصة متاحة لكتابة عناوين رئيسية جيدة عنه، بدلاً من السيئة، لقيامه بطمس رسائل حملته الرئيسية. ففي يوم السبت الموافق 22 أكتوبر، اختار ترامب أن يلقي خطاباً مهماً في مدينة جيتيسبيرج، بولاية بنسلفانيا، المشهورة بأنها المدينة التي حولت مجرى الحرب الأهلية الأميركية لمصلحة قوات الاتحاد، وأنها أيضاً المدينة التي شهدت أشهر خطاب لإبراهام لينكولن، والمعروف بـ«خطاب جيتيسبيرج»، والذي كرر فيه عبارة أن «جميع الرجال قد خلقوا متساويين». ورغم أن ذلك الخطاب لم يزد عن 272 كلمة، فإنه يعتبر مع ذلك واحداً من روائع فن الخطابة السياسية الرفيعة، لرجل دولة بمعنى الكلمة. أما خطاب ترامب فقد كان مزيجاً من الغضب، والاستياء، وخصوصاً من المرأة، بالإضافة إلى بعض المقترحات السياسية الجسورة التي كان يجب أن تكون السمة الوحيدة للحدث. وفي الوقت ذاته، نجد أن فريق هيلاري الذي يضم الآن بشكل منتظم الرئيس أوباما وزوجته، ونائب الرئيس جو بايدن، والسيناتورة إليزابيث وارين، والرئيس السابق بيل كلينتون، والسيناتور تيم كين الذي سيصبح نائباً للرئيسة إذا ما فازت هيلاري.. قد ضاعف من جهوده للرد على خطب ترامب الرنانة التي لا تنتهي، عن تزوير الانتخابات، والنساء الكاذبات. عندما وصف ترامب هيلاري بـ«المرأة السيئة»، قرب انتهاء مناظرتهما الثالثة والأخيرة في 19 أكتوبر، لم يكن في مقدوره تخيل أن هذه العبارة تحديداً ستكون بمثابة بطاقة دعوة لحشد أنصار هيلاري. ففي تجمع انتخابي في مانشستر، نيوهمبشاير، في الرابع والعشرين من أكتوبر، أدلت إليزابيث وارين عضوة مجلس الشيوخ (ديمقراطية من ماساشوسيتس)، بكلمة حظيت بالاستحسان من جانب الجمهور الحاضر والذي كان في معظمة من الإناث: «النساء السيئات طفح بهن الكيل من دونالد ترامب.. فلتعلم يا دونالد، أن النساء السيئات صلبات، وأن النساء السيئات ذكيات، وأن النساء السيئات يخرجن للتصويت. وفي 8 نوفمبر سنخرج نحن النساء السيئات، للزحف على أقدامنا السيئة، والأدلاء بأصواتنا السيئة، كي نطردك من حياتنا إلى الأبد». والأعضاء الأكثر تفاؤلاً في فريق هيلاري، يعتقدون الآن أنها لن تفوز بالبيت الأبيض فحسب، بل ويمكن أيضاً أن تساعد الديمقراطيين على استرداد مجلس الشيوخ، وتقليص أغلبية الجمهوريين في مجلس النواب. لكن كل هذه التكهنات ستنتهي إلى لا شيء، إذا لم يقم الديمقراطيون، وخصوصاً الشباب، بالتصويت خلال الفترة من الآن وحتى الثامن من نوفمبر. ومن هنا الأهمية الحيوية لموضوع «الخروج يوم الانتخابات»، خصوصاً إذا ما ساءت الأحوال الجوية في الولايات الرئيسية التي تشتد فيها حدة المنافسة، يوم الانتخابات.