كان خير الإنسان وسعادته وبناؤه وتطويره، ولا تزال، الأساس الذي قامت عليه ولأجله الملحمة التنمويَّة لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ اليوم الأول لإنشائها، وذلك تجسيداً لرؤية حكيمة أرسى أركانها الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه. ولم تقتصر تلك الرؤية البنَّاءة على الإنسان الإماراتي فحسب، بل شكلت نواة نهج إماراتي قلَّ نظيره، يضع الإنسان محلاً للاهتمام أياً كان عرقه أو دينه أو جنسه أو لونه، سواء كان داخل الدولة أو خارجها. وهو النهج الذي مضت قيادتنا الرشيدة، ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، في ترسيخه وتعزيزه، عبر برامج ومبادرات تنشر الخير والأمل والسعادة في مشارق الأرض ومغاربها، وصولاً إلى تبوُّؤ الدولة مكانة عالمية مرموقة كواحدة من أهم الدول الداعمة لحقوق الإنسان وصون كرامته ومكافحة جرائم انتهاك حقوق الإنسان على اختلاف أنواعها، ومن بينها جرائم الاتجار بالبشر التي تُعَدُّ ثالث جريمة في العالم بعد تجارة السلاح وتجارة المخدرات، وواحداً من أكبر التحديات في مجال حماية حقوق الإنسان، لما تمثله من انتهاك صارخ لحرية الإنسان وكرامته، وتنافيها مع أبسط المبادئ الإنسانية. وفي ظل التوجيهات السديدة للقيادة الرشيدة، فإن الإمارات يشار إليها بالبنان كصاحبة تجربة ريادية في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، ومحاربتها بكلِّ السبل محلياً وإقليمياً وعالمياً. وضمن هذا الإطار، سجَّلت قضايا الاتجار بالبشر في الدولة، خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2015، انخفاضاً بنسبة 54%، حيث بلغت 17 قضية في عام 2015، مقابل 37 قضية في عام 2011، وذلك وفقاً للَّجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر. هذا الإنجاز الجديد، الذي يضاف إلى قائمة إنجازات تطول في هذا المضمار كثمرة لجهود مشهودة ومتواصلة تبذلها الدولة في مكافحة آفة الاتجار بالبشر على الصُّعُد كافة، سيسهم بلا شكٍّ في تعزيز التقديرَين الإقليمي والدولي للنموذج السبَّاق الذي تمثله الدولة في هذا المجال، إذ تُعَدُّ الإمارات أول دولة عربية تصدر قانوناً لمكافحة الاتجار بالبشر عام 2006، مع أن قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لعام 1983 نصَّ في المادة 346 منه على تحريم هذا النوع من الأفعال، ويتضمَّن القانون عقوبات رادعة ضد مخالفيه تبدأ من السجن لمدة خمس سنوات، وتصل إلى السجن المؤبَّد والغرامة. وقد أصدر صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2015، بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006 بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر. كما أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، قراراً بتعديل قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2007 بشأن تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر. وتُعَدُّ الإمارات من الدول الأولى التي انضمَّت إلى الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المعنية بالتصدِّي لهذه الجرائم، وذلك انطلاقاً من مسؤولياتها الدينية والأخلاقية، وحرصها على كرامة الإنسان، وامتداداً لرسالتها العالميَّة في نشر الخير وتعزيز قيم الحرية والعدالة والمساواة. وممَّا يبرهن كذلك على تميُّز السجل الإماراتي المشرف في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، المنهاج الإنساني الفاعل والشامل الذي تتبعه الدولة إزاء التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر من خلال مراكز متخصِّصة تُقدِّم الدعمَين المالي والمعنوي إليهم من خلال برامج إعادة التأهيل، وتوفِّر الرعاية النفسية والصحية والقانونية للضحايا. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية