باتت الصناعات الطبية بشكل عام وصناعة الأدوية بشكل خاص واحدة من أهم الصناعات الواعدة التي تسلط دولة الإمارات العربية المتحدة الضوء عليها منذ فترة وتعمل على تعزيز دورها كصناعة غير نفطية واعدة قادرة على الإسهام بفاعلية في تحقيق استراتيجيات الدولة لمرحلة ما بعد النفط، وذلك إدراكاً من القيادة الرشيدة للدولة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بالأهمية الاستراتيجية للقطاع الصناعي الذي هو عماد التنمية والتقدم لأي دولة تطمح للوصول إلى مصاف الدول العالمية، لما لها من دور في تعزيز المكانة الاقتصادية للدول، وخلق فرص عمل، وتحقيق عائدات غير نفطية، وكذلك تعزيز وجود المنتجات المحلية في الأسواق الإقليمية والعالمية، فضلاً عن تعزيز القدرة التنافسية للدولة، وهذا ما تهدف إليه دولة الإمارات على مدار أكثر من أربعة عقود. لقد وضعت الدولة صناعة الأدوية نصب أعينها وتبذل الجهود من أجل تحفيز الشركات العالمية المتقدمة، على أن تتخذ دولة الإمارات وجهة لأنشطتها الصناعية، حيث تعمل على توفير الأطر التشريعية والبنية التحتية المتطورة، فضلاً عن تطوير الأنظمة الإلكترونية لخدمات التسجيل والرقابة الدوائية لتعزيز مكافحة الغش الدوائي، بما يسهم في جذب رؤوس الأموال والمستثمرين وتسهيل بيئة مزاولة الأعمال، مع التركيز على الابتكار والصناعة المتقدمة تكنولوجياً كعاملَين أساسيين لتحقيق التحول الإيجابي في قطاع الصناعة. وفي سياق مساعي تطوير صناعة الأدوية، نظمت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية بالتعاون مع «القمة العالمية للصناعة والتصنيع»، الملتقى العالمي الأول من نوعه الذي يجمع قادة القطاعين العام والخاص وممثلي المجتمع المدني لصياغة رؤية عالمية لمستقبل قطاع الصناعة. وخلال اللقاء أكد الدكتور أمين حسين الأميري، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص، أمام وفد ضم مجموعة من مديري كبرى شركات صناعة الأدوية العالمية، أن دولة الإمارات تتمتع بكل المؤهلات التي تمكّنها من أن تكون مركزاً إقليمياً لصناعة الأدوية العالمية، في ظل تركيز الدولة على دفع عجلة الابتكار في هذا القطاع. وقد جاء اختيار (ستراتا للتصنيع)، الشركة الإماراتية المتخصصة في صناعة أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة في مدينة العين والمملوكة لشركة (المبادلة للتنمية)، لعقد اللقاء بهدف تسليط الضوء على إنجاز الإمارات في قطاع الصناعات المتقدمة تكنولوجياً، ولتحديد ملامح التعاون المشترك بين الحكومة وقطاع صناعة الأدوية العالمية لبناء مصانع لإنتاج الأدوية وفق أعلى المعايير في دولة الإمارات. تعكس الإحصائيات والأرقام النمو الذي استطاعت تلك الصناعة الواعدة تحقيقه، حيث ارتفع عدد مصانع الأدوية والمستلزمات الطبية في الإمارات من 14 مصنعاً عام 2014 إلى 16 عام 2016 تقوم بصناعة نحو 1100 صنف دوائي. ومن المتوقع أن يكون في الدولة 34 مصنعاً بحلول عام 2020. ونتيجةً لدعم وزارة الصحة ووقاية المجتمع، ارتفع عدد المكاتب العلمية في الدولة التي تمثل شركات صناعة الدواء العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 47 مكتباً عام 2015 إلى 53 مكتباً عام 2016. وسعت وزارة الصحة ووقاية المجتمع إلى إبرام 5 اتفاقيات شراكة استراتيجية بين المصانع العالمية والمصانع المحلية لإنتاج 53 صنفاً دوائياً مبتكراً في الدولة، بدءاً من مارس 2015، كما تقوم (في بي إس هيلث كير) بتوسيع مصنعها في جبل علي، وتخطط لافتتاح أول مصنع من نوعه في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لصناعة اللقاحات المضادة للأورام السرطانية في أبوظبي، كما وقعت اتفاقية تنضم بموجبها كشريك استراتيجي (للقمة العالمية للصناعة والتصنيع)، التي تعقد في مارس 2017 في أبوظبي. إن اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بتلك الصناعة يعود إلى سببين رئيسيين: أولهما، العائد الاقتصادي الناتج عن نمو هذه الصناعة في ظل «رؤية الإمارات 2021» التي وضعت تنويع مصادر الدخل ضمن أولوياتها، وتقليص الاعتماد على القطاع النفطي، تعزيز دور القطاعات غير النفطية، وصولاً إلى الغاية النهائية المتمثلة في استدامة النمو في مرحلة ما بعد النفط مع تعزيز الإبداع والابتكار. ثانيهما، توفير بيئة طبية نموذجية وفق أعلى المعايير العالمية كجزء من استراتيجية الدولة التي تهدف دائماً إلى توفير أفضل بيئة معيشية لمواطنيها، حيث تسعى الدولة بشكل مستمر لتحقيق رفاهية الفرد. تعكس تلك الجهود الدؤوبة التي تبذلها القيادة الرشيدة للدولة لتنمية هذه الصناعة الحيوية وتطويرها توجهاً تنموياً واستراتيجياً مهماً، تحرص على إنجاحه، ولذا تلقى هذه الصناعة دعماً لامحدوداً، سواء مالياً أو فنياً، حتى تقوم بدورها على أكمل وجه، وبما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة في الدولة، ولا يزال أمام هذه الصناعة المزيد لتقدمه. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية