هيلاري كلينتون مرشحة رهيبة. هذا ما كان الخبراء يقولونه منذ انطلاق هذه الحملة الانتخابية التي لا نهاية لها. ينبغي أن نعود إلى آل جور العام 2000، كي يتسنى لنا أن نجد سياسياً واجه نفس القدر الذي واجهته هيلاري من سخرية وسائل الإعلام. لذلك قد يبدو من الغريب القول إن هيلاري فازت بترشيح الحزب الديمقراطي بسهولة نسبياً، وهزمت منافسها في ثلاث مناظرات متوالية وباتت هي الأوفر حظاً للفوز في نوفمبر القادم، بهامش كبير، على الأرجح. الشكاكون يقولون إنها محظوظة، وإنه لولا أن الجمهوريين اختاروا ترامب تحديداً، لكانت قد منيت بخسارة كبيرة. لكن تذكروا هنا أن ترامب قد فاز بترشيح حزبه، لأنه أعطى قاعدته ما كانوا يريدونه تماماً، وهو قناة للتعبير عن العداء العنصري الذي كان دوما هو القوة الدافعة وراء النجاح الانتخابي الجمهوري لعقود طويلة. وكان كل ما فعله ترامب أنه قال لتلك القاعدة بصوت عالٍ، ما كان منافسوه على الترشيح الرئاسي يقولونه بصوت خافت. هناك مشكلة عامة بالنسبة لأعضاء الحزب الجمهوري: فالقليل منهم يؤمنون بأن التخفيضات الضريبية لها قوة سحرية، وأن التغير المناخي كذبة كبيرة، وأن مجرد ترديد عبارة «الإرهاب الإسلامي» سيكون كافياً لهزيمة «داعش». لكن تظاهرهم بأنهم يؤمنون بكل هذه الأشياء، هو الثمن الذي يتعين عليهم دفعه للانضمام لنادي الصفوة في مؤسسة الحزب. وهناك نقطة مهمة تتعلق بـ«ماركو روبيو»، الرجل الذي كان ينافس ترامب على الفوز بترشيح الحزب: لماذا يتخيل كثيرون أن الرجل الذي انهار أمام بعض الاستفزازات الصبيانية من جانب ترامب، كان يمكن أن يفوز على المرأة التي حافظت على رباطة جأشها لمدة 11 ساعة متواصلة من التحقيقات المرهقة حول موضوع بنغازي، وجعلت المحققين معها يبدون كأغبياء؟ يقودنا هذا إلى موضوع نقاط القوة التي تتمتع بها هيلاري. فعندما يمتدح المعلقون الموهبة السياسية، فما يدور في أذهانهم آنذاك هو قدرة المرشح على مضاهاة واحد من مجموعة محدودة جداً من النماذج السياسية النمطية: الزعيم البطل، والشخص العادي الودود الذي تود أن تحتسي معه كوباً من الشاي، والخطيب المفوه. هيلاري لا تنتمي إلى أي نموذج من هذه النماذج السياسية النمطية: فهي ليست شخصاً عادياً ودوداً، كما أنها خطيبة متوسطة، و«قفشاتها» المعدة سلفاً كثيراً ما تخفق في تحقيق الأثر المرجو منها. لكن الشخصية التي رآها عشرات الملايين من المشاهدين في مناظرات هذا الخريف، كانت مثيرة للإعجاب. ففي تلك المناظرات، بدت هيلاري رابطة الجأش، وقادرة على الاحتفاظ بهدوئها تحت الضغط، ومستعدة تماماً، ومسيطرة على الموضوعات المتعلقة بالسياسات. بل كانت تعمل في تلك المناظرات وفقاً لخطة استراتيجية: وهي أن كل فوز لها في تلك المناظرات، كان يبدو أكبر كثيراً بعد يومين، بمجرد أن يتاح الوقت للمعاني والمغازي الضمنية كي تستقر في الأذهان. ونقاط القوة التي أظهرتها هيلاري في المناظرات ستخدمها جيداً عندما تصبح رئيسة. الشيء الذي لا يستطيع أي سياسي جمهوري أن ينافسها فيه، هو أنها تهتم حقاً بموضوعاتها المميزة، وتؤمن بالحلول التي تدفع باتجاهها.فعندما تتحدث هيلاري عن حقوق المرأة، أو الظلم العنصري، أو تقديم الدعم للعائلات.. فإن التزامها، بل حماسها، عادة ما يكون جلياً. لذلك دعونا نعمل على تبديد الخرافة القائلة إن هيلاري لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا من خلال ضربة حظ. فالحقيقة أنها شخصية رهيبة، وأنها كانت كذلك طيلة الوقت. *كاتب ومحلل سياسي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد العام 2008 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»