نظمت الأمانة العامة لمجلس التعاون ومؤسسة الفكر العربي ورشة عمل حول «مسيرة مجلس التعاون: الإنجازات والتحديات» في ظل الظروف الجيو- سياسية والاقتصادية المستجدة والخطيرة، تحدث خلالها الأمين العام للمجلس الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، حيث نوه في بداية حديثه بلقاء تاريخي جمع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) مع الطلبة الخليجيين بلندن عام 1972، حيث أوصل إليهم رسالة حكيمة ذات بعد مستقبلي ومصيري قائلًا رحمه الله باللهجة الخليجية «ما لكم بد من بعض» وهي جملة تختصر الكثير من المعاني السامية. وبالإضافة إلى تطرق الورشة للتطورات الجيو- سياسية، فإن الجانب الاقتصادي استحوذ على جانب مهم من مداولاتها، وخصوصاً أن تقدماً مهماً تحقق في هذا الجانب وانعكست آثاره بصورة إيجابية على الاقتصادات الخليجية كافة، وذلك رغم المعوقات التي واجهت بعض أوجه التعاون، كاستكمال السوق المشترك الذي أثبتت عملية التطبيق لبعض بنوده أهميته للدول الأعضاء كافة. وفيما يتعلق بأوجه التعاون الأخرى، فإن الربط الكهربائي بين دول المجلس أثبت جدواه الاقتصادية، إلى جانب أهميته الخدماتية، حيث لم ينقطع التيار الكهربائي في أي دولة من دول المجلس منذ عملية الربط بفضل التغذية المشتركة، وذلك على العكس من الفترة السابقة التي كانت تتكرر فيها الانقطاعات في بعض الدول مع ما تحمله من تكاليف، وبالأخص للقطاع التجاري، علماً بأنه تم توفير 350 مليون دولار سنوياً. وفي هذا الجانب تمت الإشارة إلى ضرورة الإسراع في استكمال عملية بناء البنية التحتية الخليجية لما لها من دور فعال في التنمية، والتي يأتي من ضمنها القطار الخليجي، حيث قطعت كل من الإمارات والسعودية شوطاً كبيراً من مراحل عملية الإنجاز، في حين ما زالت خطوات بقية الدول بطيئة في هذا الجانب مما قد يؤخر تشغيل هذا المشروع الحيوي والمقرر له عام 2018، إذ يمكن تشجيع بقية الأعضاء على البدء في عملية التنفيذ، خصوصاً أن المسافات في هذه البلدان قصيرة نسبياً. والمشروع المهم الآخر يتعلق بشبكة المياه الخليجية التي تكتسب أهمية كبيرة للتنمية، فالعديد من الدراسات لجهات علمية، بما فيها جامعة نيويورك بأبوظبي وجامعة قطر وجامعة «أريزونا» بالولايات المتحدة، حذرت من زيادة ملوحة مياه الخليج العربي التي تزيد بنسبة 25% عن بقية بحار العالم، مما ستتعذر معه تحلية مياه الخليج بحلول عام 2030. ومع أن هذه المشكلة ليست ملحة لدولة الإمارات وسلطنة عمان لوجود البديل على المحيط الهندي ونسبياً للسعودية لوجودها على البحر الأحمر، فإنها ستشكل مشكلة لبقية الدول الثلاث الأخرى الأعضاء في المجلس، مما يتطلب وجود ربط للمياه سيكون مفيداً وعملياً، كما هو الحال مع الربط الكهربائي. وفي الوقت نفسه تكتسب شبكة الغاز أهمية قصوى للتنوع الاقتصادي لدول المجلس كافة وللتنمية بشكل عام، حيث تسعى بعض دول المجلس، كعُمان إلى تلبية احتياجاتها من مصادر خارجية ربما تفرض عليها التزامات غير اقتصادية، في الوقت الذي تتمتع فيه دول المجلس مجتمعة باكتفاء ذاتي، حيث يمكن لمثل هذه الشبكة أن تساهم مساهمة فعالة في التنمية وربط المصالح الاقتصادية وتعزيز التكامل بين دول المجلس. وبما أن الدول الست الأعضاء أضحت تملك رؤى تنموية للفترة القادمة، فقد اتخذت الأمانة العامة خطوة مهمة للتنسيق بين هذه الرؤى، وهو توجه عملي سيؤدي إلى تنسيق الجهود وتكاملها ضمن مسعى تنموي خليجي يرمي إلى بناء سوق خليجي مشترك سيشكل واحداً من بين أكبر ستة اقتصادات عالمية في العقد المقبل، وهو إنجاز سيمنح دول المجلس ثقلاً جيو- سياسياً سيؤدي بدوره إلى حماية المكتسبات الاقتصادية وتعزيز الأمن والاستقرار فيها.