الشارع الذي اشترى فيه بيل كلينتون منزلاً بقيمة 22 ألف دولار في فايتفيل بولاية أركنسو عام 1975، ليقنع هيلاري رودهام بالزواج منه، يحمل حالياً اسم الرئيس الأميركي السابق. ومطار عاصمة أركنسو، ولاية بيل كلينتون، يحمل اسم الزوجين. ومركز كلينتون الذي يضم المكتبة الرئاسية يعج بالزوار. لكن أركنسو ستصوت بأغلبية لمصلحة دونالد ترامب وليس لمصلحة هيلاري كلينتون في انتخابات الثامن من نوفمبر. وهذا باعتباري من الأجانب يثير دهشتي بشدة ولذا عزمت على فهم الأسباب. وما زال لآل كلينتون أصدقاء مقربون في أركنسو، ولذا سأبدأ بهم. فقد أعد سكيب رذرفورد، عميد مدرسة كلينتون للخدمات العامة في مدينة ليتل روك بالولاية نفسها، قائمة بمشروعات كلينتون التي ما زالت تسير بشكل جيد، مثل جماعة الدفاع عن الأطفال والأسر في أركنسو، ووحدة الرعاية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى أطفال أركنسو، ومشروع مساعدة الآباء الفقراء في إعالة الأولاد قبل دخول المدرسة، وصندوق المنحة الدراسية لآباء أركنسو الذين بغير أزواج.. إلخ. وأكد رذرفورد أن هذه المبادرات ما زالت تعمل، وهذا يبين دأب وقدرة هيلاري على بناء هياكل عمل واقعية وليست زائفة. لكن هذه الإنجازات لم تقربها إلى قلوب معظم سكان الولاية. ويؤكد ريك نيلسون، وهو نائب رئيس بنك سيمونز في ليتل روك، وقد عمل لسنوات طويلة مع حاكم الولاية السابق مايك هكابي، المتسابق الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية عامي 2012 و2016، أن الناس لن تذكر أياً من مشروعات هيلاري في الولاية. وحاولت أن أسأل عشوائياً الناس الذين قابلتهم في أركنسو عن تركة هيلاري كلينتون، والواقع أن الذاكرة لم تسعفهم فيما عدا جهودها في إصلاح التعليم التي يتذكرها بعض الناس فيما يبدو بشكل غائم. والواقع أن إنجازات هيلاري في أركنسو عمرها بين 25 و30 عاماً، مما يعني أن نصف سكان الولاية في عمر التصويت لم يكونوا كباراً بما يكفي ليتذكروا ما فعلته حين كانت تسكن هناك. وما كان لهذا أن يمثل مشكلة لو أن الحزب الديمقراطي موجود هناك ليذكرهم بما فعلته المرشحة الرئاسية الديمقراطية. بل تقلص حضور الحزب في الولاية. وحتى منتصف التسعينيات، كانت أركنسو ديمقراطية تماماً. لكنها جمهورية حالياً إلى حد كبير، لأسباب اجتماعية واقتصادية وسكانية موثقة جيداً. وأركنسو واحدة من آخر ولايات الجنوب الديمقراطية التي أصبحت جمهورية، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: لماذا لم تحصل هيلاري على المزيد من الدعم فيها؟ أخبرني ديمقراطيون وجمهوريون على السواء أن هذا يستند بالأساس إلى شخصية المرشح، فإن سياسيين ديمقراطيين، مثل السيناتور السابق ديفيد بريور وبيل كلينتون، صمدوا في الدفاع عن حزبهم، بينما كان هذا الدفاع يتهاوى في ولايات أخرى. ويعتقد برادلي جيتز، أستاذ السياسة الدولية في كلية ليون في ولاية انديانا، وهو أستاذ سابق لبيل كلينتون، أن «السياسيين الديمقراطيين في هذه الولاية طوروا آلية تعمل لصالحهم.. إنهم يصوتون كما يتوقع الحزب الذي يتزايد ليبرالية في واشنطن ثم يعودون إلى هنا ويقدمون أنفسهم على أنهم معتدلون أو محافظون». وذلك توازن صعب يتطلب من السياسيين براعة غير شائعة في مهارة «التجزئة». ويؤكد نيلسون، الجمهوري من بنك سيمونز، أن الولاية صغيرة والسياسة فيها يسيطر عليها الطابع الشخصي. وعبقرية بيل كلينتون في السياسة ذات الطابع الشخصي ما زالت تمثل قوة في أركنسو. ويعتقد جيتز، أستاذ السياسة الدولية، أن كلينتون هو الديمقراطي الوحيد الذي قد يحظى بفرصة الفوز إذا خاض السباق اليوم. ولم تطلق هيلاري حملتها هذا الخريف في الولاية التي أقامت فيها 18 عاماً. وهذا قرار براجماتي في جانب منه كما أنه انعكاس لهذه الإشكالية في جانب آخر. وذكر رذرفورد أن هيلاري نادراً ما تظهر في الولاية على خلاف زوجها الذي يأتي الولاية كل شهر تقريباً. ويعتقد نيلسون، الجمهوري من بنك سيمونز، أن «بيل كلينتون واحد منا، ولد ونشأ بيننا.. لكن أركنسو لم تحتضن هيلاري فعلياً». بينما يعتقد جيتز، أستاذ السياسة الدولية، أن سكان أركنسو يرون في تقدمية هيلاري استعلاءً عليهم. وعلى امتداد فترة وجودها في الولاية، فشلت في التغلب على هذا التصور، لأنها تفتقر إلى مواهب زوجها السياسية. ويعتقد نيلسون أن «بيل كلينتون ربما يحرز ما يزيد على تسع نقاط في مقياس من عشر نقاط في مهارات سياسة التجزئة.. أما هيلاري فقد تحقق نقطتين أو ثلاث». والموجات السياسية تأتي وتذهب، لكن أركنسو تبقى كما هي بالأساس فقيرة نسبياً وغالبية سكانها من البيض، ومكان يفوز فيه الوسطيون أصحاب الحضور الشخصي. وربما من الحكمة ألا تنشغل بها هيلاري لأنها ولاية معادية ذات ستة أصوات فحسب في المجمع الانتخابي. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نوز سيرفس»