الكثير من الأمراض تتسلل خفية دون أن ينتبه لها صاحبها، مثل التوحد والسكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان والخرف.. وأخيراً إلزهايمر. وأفظع ما في هذه الأمراض أن صاحبها يخسر نفسه وهو على قيد الحياة، فيحال بينه وبين إرادته ووعيه. تأملوا الآية الكريمة: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ». يعود تاريخ اكتشاف إلزهايمر إلى أكثر من قرن (1906)، حيث كان الألماني الدكتور ألويس إلزهايمر، أول من وصف المرض بـ«الخطير»، إذ يأكل الدماغ ويورث العته وتدمير الشخصية بعد تدمير الذاكرة. وحين تتبدى أعراض المرض يستوي في تشخيصها الجاهل والعالم، كما في رؤية اليرقان في العين، لكن الانتباه لمؤشراته الأولى هو الأمر الأهم، لأن صاحبها في طريقه إلى أن لا يعرف من هو، فلا تبقى ذاكرة ولا شخصية ولا إرادة، ومنه فقد بدأ وزير الصحة الألماني «هيرمان جروهيه»، محاولة استصدار موافقة برلمانية على التصرف نيابة عن المصاب بإلزهايمر لغياب الإرادة لديه، فضلاً عن السماح بتطوع المرضى بالتبرع لتجريب أدوية، أو لأخذ دماغه للتشريح لمعرفة سر الإصابة بهذا المرض الخطير. وحالياً تقوم الدكتورة كاثرينا بورجر، رئيسة جمعية إلزهايمر في المركز الجامعي في ميونيخ بألمانيا، بوضع خطة تفصيلية لفهم المرض في سبع مراحل، الأولى يشعر صاحبها أنه ليس على ما يرام وليس هو ذاته، لكن ليس ثمة أعراض أو علامات على اضطراب خطير، ولا يمكن الحدس كم تستمر هذه الحالة، ثم ينحدر المريض إلى المرحلة الثانية، وتتميز باضطراب خفيف في الذاكرة، مثل الكلمات التي يحفظها فتطير منه بسرعة، أو الحاجات اليومية التي يتعثر في فهمها. المرحلة الثالثة هي التأثر الطفيف، حيث ينتبه المصاب إلى أن من يعرف من أصدقاء ومعارف وزملاء والأشياء التي يقرؤها ويتعامل معها.. سرعان ما تتبخر من ذاكراته. المرحلة الرابعة هي التأثر المتوسط بالمرض، وهنا قد ينفع التشريح في الكشف عن قشرة الدماغ وما يتم فيه من علة ومرض. في هذه المرحلة يضطرب المريض في أداء مهمات متكاملة، بسبب تكسر ارتباطات الذاكرة. المرحلة الخامسة تبدأ بفراغات مزعجة في الذاكرة، من عدم تذكر مكان سكنه، ورقم هاتف بيته، ومكان مفاتيح سيارته، والشوارع الرئيسية في البلدة التي يعيش فيها! هنا يحصل انقضاض المرض ليدفع صاحبه نحو المرحلة السادسة من تبخر الذاكرة كلياً، وبدء اضطراب شخصية صاحبها وإرادته، ويبدأ صاحبها في العجز والاعتماد جزئياً على من حوله من المهتمين بأمره. أما المرحلة الأخيرة فليست ختام مسك، إذ لا يستطيع المريض إخبارَ مَن حوله بما يدور داخله، ويبدأ في فقدان السيطرة على جسمه، فتتيبس المفاصل وتتكلس العضلات، بعد أن خسر إرادته ووعيه فلم يعد إنساناً. الدكتور إلزهايمر الذي وصف المرض لم يعش أكثر من 51 سنة بكسر في عنق الفخذ، ونيلز بور مكتشف البناء الذري خرّف فلم يبق بناء، أما صاحب «نقد العقل الخالص»، الفيلسوف إيمانويل كانط، فقد ضربته لعنة إلزهايمر، ولم يعد يعرف أقرب الناس إليه، فيما كان فيلسوف القوة (نيتشه) يقول لأخته وهي تقرأ بعض إبداعاته: لقد كنت أكتب مثل هذا!