شهدت الأسواق المالية البريطانية تحركات كبيرة في الأيام العشرة الماضية. وإذا تقاعست رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي عن الالتفات إلى مؤشرات السوق هذه، فقد تضطر حكومتها إلى الوقوع في أسر عودة سابقة لأوانها لواحدة من أكبر التحديات لصناعة السياسة الاقتصادية، وهي قوى الركود التضخمي. وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، انخفض سعر الجنيه الاسترليني إلى أقل من 1.22 دولار، في رد فعل على الخطب التي ألقاها مسؤولون سياسيون في المؤتمر السنوي لحزب المحافظين البريطاني. ورسالة الأسواق توضح أن «الخروج البريطاني الصارم» يهاجم «الصفوة الدولية» وينتقد سياسات «بنك أوف إنجلاند» (البنك المركزي البريطاني). وفي الوقت نفسه، واصل عائد سندات الحكومة البريطانية التي مدتها عشر سنوات، صعوده في الآونة الأخيرة ليصل إلى 1.15% في 14 أكتوبر، مما عظم القلق بشأن نهج سياسي ما زال يعتمد بشدة على السياسة النقدية. وهذا النوع من ردود فعل السوق يتسق مع تقلص الثقة في قدرة صانعي السياسة على احتواء التطورات غير المحابية في التجارة والحسابات الرأسمالية في ميزان مدفوعات البلاد. وهذا رد فعل مفهوم لأن التصريحات السياسية لمسؤولي الحكومة في المؤتمر السنوي للحزب، والتي لفتت الانتباه إلى عراقيل كبيرة في نظام التجارة للمملكة المتحدة، قد تؤدي إلى بطء تدفق استثمارات رأس المال وقد تشجع من دون قصد على عودة رؤوس الأموال إلى ديارها أو هروبها. وهذا قد يحدث حتى لو تطلب العجز الكبير في الحسابات الجارية لبريطانيا تمويلاً كبيراً في صيغة تدفقات صافية من رأس مال القطاع الخاص. ومن السابق لأوانه أن نشعر بالراحة بسبب مؤشر إيجابي واحد في السوق، وهو ارتفاع مؤشر فايننشيال تايمز 100 البريطاني إلى ما يقرب من مستويات قياسية في الأيام العشرة الماضية، فحين نقيس المؤشر بأي عملة أخرى فإن المؤشر متخلف كثيراً على مستوى العالم، وكل هذا لا أهمية كبيرة له ما لم يكن له تأثير محتمل على الاقتصاد، وفي الظروف الحالية للمملكة المتحدة، أدت تطورات الأحداث في الآونة الأخيرة إلى زيادة احتمالات الركود التضخمي الذي يعني ارتفاع حجم التضخم في زمن تراجع الحراك الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، فإن قدرة البنك المركزي البريطاني للعمل كقوة موازية تتقلص بسبب ضغوط السوق على هيكل سعر الفائدة في البلاد وخفض قيمة سعر العملة. صحيح أن الحكومة قد يغريها الاستمرار في خطابها السياسي الحالي، ليس فقط من أجل كسب دعم مؤيدي الخروج البريطاني، ممن أصبحوا يدركون سوء اختيارهم، من حزب المحافظين وحزب الاستقلال، لكن من الجيد أن ينصت المسؤولون إلى رسالة بسيطة للغاية من الأسواق المالية، مفادها أنها ليست فكرة جيدة أن نشير إلى تفكيك المبادئ المالية والاقتصادية الراسخة دون أن نطرح في الوقت عينه بديلاً شاملاً وموثوقاً به، وكلما استمرت الحكومة في مواصلة خطابها السياسي الحالي، دون تقديم توجيهات واضحة بشأن خططها المستقبلية، تزايدت احتمالات الركود التضخمي في اقتصاد المملكة المتحدة في وقت من عدم اليقين الكبير في الهياكل الاقتصادية. محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة إليانز ورئيس مجلس التنمية العالمي التابع للرئيس أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»