قبل عامين، وفي خطاب شهير، دعا الرئيس السوداني عمر حسن البشير كل القوى السياسية السلمية والحركات المسلحة المعارضة إلى «حوار وطني شامل حول القضايا الوطنية، بهدف الوصول إلى إجماع وطني يحقق السلام والاستقرار للوطن»، متعهداً بمنح «الحوار الوطني» تأييده، وبأن يوفر له كل شروط النجاح.. وسمى الرئيس مشروعه هذا بـ«الوثبة». وكان من شروط النجاح، كما قال المعارضون، أن يصدُر قرار جمهوري بالعفو عن قادة وأعضاء الجماعات المسلحة المدانة قضائياً بـ«الخيانة العظمى» وإعطائهم «الأمان» للحضور والمشاركة في الحوار.. وإعلان إيقاف الحرب بين الجيش والميليشيات المسلحة في النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور. وقد حقق الرئيس بعض شروط المعارضة، فأعلن إيقاف القتال لمدة ستة أشهر، وأعلن العفو عن القادة المعارضين الموجودين في الخارج ومناطق العمليات الحربية، لكنه لم يفرج -وقتها- عن المعتقلين السياسيين. ورغم أن الرئيس وحكومته لم يوافقوا على أهم مستلزمات الحوار الوطني (في رأي المعارضة) متمثلة في الحكومة الانتقالية التي تحل محل حكومة «المؤتمر الوطني»، وشروط أخرى رأى الرئيس أنها مسبقة وتعجيزية.. فقد وافق قسم مهم من أحزاب المعارضة على دخول الحوار من دون شروط مسبقة، وقالوا إن الرئيس طلب منهم البدء في الحوار وطرح مطالبهم على الطاولة، واعداً بالوصول إلى اتفاق مقبول لكل الأطراف. ودخل مغامرة الحوار «حزب المؤتمر الشعبي» (الترابي) و«الحزب الاتحادي الديموقراطي» (الأصل)، وأحزاب صغيرة تسعى لتأمين مقاعد لها على طاولة الحوار الوطني، بينما قاطعته القوى المعارضة المسلحة والأحزاب الرئيسية (مثل الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي وقوى الإجماع الوطني). لكن المساعي لجمع السودانيين حول طاولة الحوار الوطني تواصلت داخلياً وخارجياً، وكان الخارج ممثلاً في الاتحاد الأفريقي ووسيطه الدائم رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو أمبيكي، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي سبق أن «اقترحت» فكرة الانخراط في حوار بنّاء يجنب السودان ويلات الاضطراب والصراع، موضحةً أن حل الأزمات السودانية المتصاعدة لن يتم عبر الحرب والقتال وإنما بالحوار السياسي الذي يشارك فيه الشعب السوداني بكل مكوناته. لكن، وعلى مدى أشهر عديدة، ظلت الحكومة والمعارضة تدوران حول القضايا الرئيسية لأزمات ومشاكل السودان، كما لم ييأس الرئيس أمبيكي ولم تتوقف مساعيه ومحاولاته لجمع الشمل السوداني وظل يمارس «دبلوماسيته» على كل الأطراف، مستعيناً بالقوى الدولية والإقليمية.. وقد نجح أخيراً في وضع خارطة طريق سميت باسمه حصلت على تأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي وقوى المعارضة الرئيسية، فأمكن أخيراً جمع الطرفين في أديس أبابا. ومع بداية الاجتماع الأول، قال رئيس الوفد الحكومي المفاوض إنه لن يستطيع الموافقة على الأجندة المطروحة، وغادر قاعة الاجتماع، لكنه عاد وقال إنه يعني أن عليه الرجوع للخرطوم لتقرر موافقتها أو رفضها للأجندة. كان من الضروري استعراض هذه الخلفية لتفهم لماذا انتهى حوار الوثبة إلى ما انتهى إليه الأسبوع الماضي، رغم «النجاح الباهر» الذي تحدثت عنه الحكومة! فالحوار لم يضف جديداً ولم يحل أي مشكلة من مشكلات السودان الكثيرة، خاصة الضيق الشديد في المعيشة، وارتفاع أسعار السلع الضرورية، وتردي الأوضاع الصحية، والحرب الدائرة في جبال النوبة وفي دارفور. لذلك ليس غريباً أن تشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وآخرون بخيبة الأمل من مسيرة طويلة ومعقدة، تصوروا أنها يمكن أن تحقق للسودان الأمل بوضع نهاية للحرب وما تعنيه وما تجلبه من آثار كارثية على هذا البلد الكبير.. لكن الأجانب والسودانيين الذين كانوا ينتظرون من الحوار الوطني بين نظام الإنقاذ والمعارضة الساعية لعودة الديموقراطية إلى السودان، لم يدركوا بعد، رغم التجارب المريرة التي مرت بهم مع «الإنقاذ» ومحاولاتهم العقيمة لتحقيق المصالحة الوطنية على طريقة جنوب أفريقيا، أن السودان ليس جنوب أفريقيا، وأن الحزب الحاكم في الخرطوم ليس «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي». عبدالله عبيد حسن* *كاتب سوداني مقيم في كندا