وطننا العربي، يمر اليوم بامتحان كبير غير مسبوق في التاريخ الحديث، والخطة الكبيرة التي يجري تنفيذها على أرضه، خطة (خبيثة) تقوم على فكرة خطيرة، بدأت ملامحها تنجلي شيئاً فشيئاً في غير مطرح في أرضنا الطاهرة، حتى ليكاد يتعرّف تفاصيلها بسهولة، ليس فقط رجل الشارع البسيط، بل حتى حسير النظر، وذلك كله من شدة هولها وما خلفته وستخلفه من دمار في البشر والحجر، والزرع والضرع، يتعدى الخوف والنقص في الثمرات والأنفس، إلى تقويض كامل لحضارة هذا الجزء (الخاص) من العالم. وإذا كنا اليوم نتذكر، بكثير من الحزن والألم، ذكرى مرور مئة عام على اتفاقية سايكس- بيكو الإنجليزية الفرنسية (عام 1916 م)، فإنه يلوح لنا في الأفق الراهن، ما يجعل يومنا أشبه بأمسنا. وإذا كانت تلك الاتفاقية- المؤامرة قد نجحت في تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، وزرعت (فيروس التناحر) في جلّها، فإننا اليوم أمام اتفاقية أخرى (سريّة) لتقسيم المقسّم، وتجزيء المُجزّأ، تقوم على الإثنيات والأعراق والأديان والطوائف، أو اختصاراً على (الأقليات) المصطلح الذي أطلقه المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي. واتفاقية اليوم السرية جديرة بحمل أسماء (أبطالها) الحقيقيين، أبرزهم (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأميركية الأسبق، الذي قال يوماً: «في منطقة الشرق الأوسط وجدت كل الأديان ولا يمكن التعامل مع دولها إلا من خلال الدين». لكن الرأس المدبر للفوضى التي نشهدها حالياً، هو (برنارد لويس) المستشرق الصهيوني الأميركي، البريطاني الأصل، والأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة (برنستون). كان الرجل وراء غزو العراق وأفغانستان، وهو الذي وضع خطة (إعادة) تفكيك الوطن العربي على أساس ديني وعرقي ومذهبي وطائفي. لعل أخطر ما تحدث فيه (برنارد)، هو (دفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين إلى قتال بعضهم بعضاً)، وهذا ما يفترض أن نكون على موعد معه في مقبل الأيام. سنكون منصفين جداً لو أطلقنا على الاتفاقية (السريّة) الجديدة، التي يجري تنفيذ فصولها حالياً في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، وبلدان أخرى غيرها ضمتهم القائمة، باتفاقية (لويس- كيسنجر) على غرار اتفاقية (سايكس- بيكو). قد لا يكون من قبيل المصادفات، أن كل قرن- مئة عام- ينزلقُ العالم العربي إلى منحدر جديدٍ يكون أكثر خطورةٍ من سابقة. ما الذي يجري وكيف يمكن مواجهته؟ هذا وغيره الكثير من العناوين والإجابات، سنتعرّفها بعد غدٍ الخميس، من نخبة عربية تلتقي في ملتقى الاتحاد الـ11 الذي سيقام في العاصمة أبوظبي.