ألقت منظمة الصحة العالمية مؤخراً بثقلها خلف الدول التي تفرض ضريبة قيمة مضافة على المشروبات الغازية مرتفعة المحتوى من السكريات مثل المكسيك والمجر، وذلك من خلال تقرير أظهر أن رفع أسعار تلك المشروبات بأكثر من 20 في المئة، يقلل من معدلات استهلاكها، وفي الوقت نفسه يحسن بوجه عام من نوعية غذاء الأفراد داخل المجتمع. ويأتي هذا التقرير بناء على نتائج اجتماع موسع عقد مؤخراً بحضور لفيف من العلماء والخبراء، وبعد مراجعة نتائج الأبحاث والدراسات الطبية والاقتصادية. كما يعتبر هذا الموقف الجديد للمنظمة الدولية، تطوراً ملحوظاً عن توصياتها السابقة والتي كانت مقصورة على المطالبة بخفض محتوى «السكريات الحرة» في الغذاء إلى أقل من 10 في المئة على الأقل من مجمل ما يتناول من سعريات حرارية يومياً، وإن كان المثالي أن تُخفض مساهمة السكريات الحرة في الغذاء إلى أقل من 5 في المئة من مجمل المتناول من السعرات الحرارية. والمقصود بـ«السكريات الحرة»، هو السكريات التي تضاف إلى الأطعمة، والمشروبات بجميع أنواعها، والحلويات. وهي الإضافة التي تتم عند تصنيع الأغذية، أو من قبل من يقوم بالطبخ، سواء في المنازل أو المطاعم، أو من قبل المستهلك ذاته عند تناول الطعام أو تحضير الشراب. كما تعتبر السكريات الموجودة في العصائر الطبيعية من السكريات الحرة، بناء على أن العصر يؤدي إلى التخلص من باقي مكونات الفاكهة، وخصوصاً الألياف. وهو ما ينطبق أيضاً على العسل، بناء على أن النحل يقوم بتغيير تركيب ومكونات السكريات الموجودة طبيعياً في رحيق الأزهار. وإن كان من الواضح أن الطامة الكبرى تنتج من السكريات التي تُضاف إلى الأطعمة والمشروبات -وإلى حد ما عند عصر الفاكهة والتخلص من أليافها- بينما لا يشكل العسل جزءاً ذا أهمية تذكر من حجم ما يتناوله إنسان العصر الحديث من سكريات حرة. وعلى سبيل المثال، يحتوي الحجم العادي من علبة المشروبات الغازية على 36 جراماً من السكر المضاف، أو ما يعادل 9 ملاعق صغيرة من السكر. كما يحتوي الحجم العادي من عبوة الزبادي المُحلى -والذي يسوّق على أنه زبادي بالفاكهة- على 12 جراماً من السكر المضاف، أو ما يعادل ثلاث ملاعق من السكر. أما البرتقال، الذي يحتوي على سكر الفاكهة أو «الفركتوز» بشكل طبيعي، فعند عصره يُصنف السكر الموجود فيه على أنه سكر حر، ويحتوي الكوب متوسط الحجم -150 مليليتراً– من عصير البرتقال على 13 جراماً من السكر الحر، أو ما يزيد قليلاً على ثلاث ملاعق من السكر. وعلى العكس من ذلك، تتضمن السكريات غير الحرة، جميع أنواع الكربوهيدرات غير المصفاة أو غير المكررة، مثل الأرز البني، والمعكرونة وباقي الأغذية المصنعة من حبوب كاملة -كالخبز وحبوب الإفطار والمعكرونة- بالإضافة طبعاً إلى الفواكه، التي تحتوي على الفركتوز في شكله الطبيعي، والحليب وباقي منتجات الألبان التي تحتوي على سكر الحليب أو «اللاكتوز» في شكله الطبيعي هو الآخر. ولذا، رغم احتواء طبق من سلطة الفواكه على سكريات، إلا أن محتواه من السكر الحر هو صفر، وفي الوقت الذي تحتوي عبوة الزبادي على سكر حليب، يعتبر محتواها من السكر الحر صفراً. وفي الوقت الذي فرضت فيه حالياً بعض الدول ضريبة على «السكريات الحرة» بالفعل، تنوي المزيد من الدول فرض ضريبة مماثلة عما قريب. فمثلًا، أعلنت حكومة جنوب أفريقيا في شهر مارس الماضي عن عزمها بدء تطبيق ضريبة على السكريات الحرة بداية من العام القادم، لتصبح بذلك أول دولة أفريقية تطبق هذه الضريبة. ويتوقع أن يتزايد هذا الاتجاه الدولي الصحي، في ظل تزايد اقتناع الكثير من خبراء الصحة العامة وعلماء التغذية، بأن تناول السكريات الحرة بإفراط، سواء في المشروبات الغازية، أو في الحلويات والعصائر، يسبب آثاراً صحية سلبية، تماثل في فداحتها الآثار الصحية السلبية الناتجة عن شرب أو إدمان الكحوليات، أو تلك الناتجة عن إدمان النيكوتين الموجود في منتجات التبغ. وهذه القناعة أو الرأي تعززها الدراسات الواحدة تلو الأخرى. ومؤخراً أيضاً تواترت مطالبات الجمعيات الطبية المهنية، وتوصيات الهيئات والمنظمات الناشطة في مجال الصحة العامة، بضرورة فرض ضرائب على الأطعمة والمشروبات السكرية، للحد من الزيادة المطردة في حجم المتناول منها، والذي يعتبره الكثيرون المسؤول الأهم عن أوبئة تسوس الأسنان، والسمنة، وداء السكري، وهي الأوبئة التي تسري حالياً بين أفراد الجنس البشري سريان النار في الهشيم.