دروس عديدة يمكن استخلاصها من هذه السنة الانتخابية، ومن ذلك مثلاً أن ثمة أشياء كثيرة أسوأ من «الصواب السياسي». فترامب يتباهى دائماً بتحرره من هذا «العيب»، كما أن بعض أنصاره يشعرون بأنهم متحررون ولا يتورعون عن حضور التجمعات الانتخابية مرتدين قمصاناً عليها إشارات تنعت هيلاري كلينتون بكل ما يمكن أن يخطر على البال من قاموس البذاءة والانحطاط. وخلال المناظرة الرئاسية الأخيرة، طرحت امرأة مسلمة كانت علامات الحزن واضحة على محياها حول كيف يمكنها أن تتعاطى مع «عواقب أن توصف بأنها تهديد للبلاد...»، فأجاب ترامب قائلاً: «إنكِ على حق بخصوص الإسلاموفوبيا، وهذا عار»، ولكن من دون أي نبرة في صوته توحي بالتعاطف. ثم أضاف قائلاً: «ولكن ثمة شيء علينا أن نقوم به. علينا أن نتحقق من أنه... لأن ثمة مشكلة. أقصد، شئنا أم أبينا، ويمكننا أن نتوخى الصواب السياسي، ولكننا شئنا ذلك أم أبينا، هناك مشكلة». والواقع أنه قلما يستطيع المرء تجنب الصواب السياسي على نحو يبتر ويشوّه مثل هذا العدد الكبير من الجمل. وبعد ذلك انحرف ترامب بعيداً مشتكياً حول كيف أن بعض جيران منفذي هجوم سان بيرناردينو لاحظوا كميات هائلة من الأسلحة في منزل العائلة ولكنهم لم يقولوا أي شيء ولم يبلّغوا الشرطة، ربما لأنهم لم يكونوا يريدون أن يبدوا كما لو أنهم من المعادين للمسلمين. ولكن بوسعنا أن نقول هنا إن هذه قصة خيالية، غير مثبتة بالحقائق. غير أنه على الجانب الإيجابي، أتاحت الأشياء البغيضة التي ميزت الحملة الانتخابية مؤخرا فرصةً رائعة لتعذيب المسؤولين «الجمهوريين» بشكل عشوائي. فهذا «تيد كروز» -الذي أهان ترامب عبر عدم دعمه في المؤتمر، ثم جزع ومنحه تأييده قبيل الإفراج عن الشريط ذائع الصيت- لا بد أنه يقضي أسوأ أسبوع في حياته السياسية، وهو خبر يحسّن المزاج بكل تأكيد. النائب بلايك فارنتهولد، الذي دفعته مغازلته الطويلة للحركة المشكِّكة في مكان ولادة الرئيس باراك أوباما ذات مرة إلى القول إن ثمة ما يكفي من المقاعد في مجلس النواب لعزل الرئيس، وقع في ورطة هذا الأسبوع عندما كان يدافع عن تأييده لترامب على قناة «إم إس إن بي سي»، فقد سأله مقدم البرنامج كريس هايز حول ما إن كان سيشعر بنفس الشعور لو ظهر شريط يقول فيه دونالد ترامب: «إنني أحب حقاً اغتصاب النساء...»، فكان جواب فارنتهولد: «سيكون ذلك سيئاً وسأضطر إلى بحث الأمر»، ولكنه سرعان ما أعقب ذلك بسلسلة يائسة من التغريدات على «تويتر»، يقول في إحداها: خلال مقابلة على قناة «إم إس إن بي سي» مع كريس هايز الليلة ارتبكتُ بسبب استعمال مقدم البرنامج لسؤال افتراضي». وهو ما أتاح بعد ذلك للكاتب السياسي جونثان تيلوف، من أوستن، فرصة للعودة إلى حوار كان قد أجراه مع عضو الكونجرس حول هجمات ترامب المروعة على قاضٍ أميركي من أصل مكسيكي. وكان فارنتهولد قال حينها -متحدثا عن ترامب: «ربما تجاوز الحدود هنا، ولكنني لا أتفق مع كل ما أقوله في بعض الأحيان». وفي الأثناء، يبدو أن حملة ترامب باتت مهووسة بـ«الجمهوريين» الذين «بَرَدَ» دعمهم للحملة، بل إن المرشح نفسه أخذ يشتكي في تجمعاته الانتخابية من أن رئيس مجلس النواب لم يهنئه عقب المناظرة الأخيرة، إذ قال مخاطباً أنصاره: «ألا تعتقدون أنه كان يجدر ببول ريان أن يتصل بي من أجل التهنئة؟». وعند مهاجمته أعضاء الكونجرس الذين انسحبوا من الفريق، قال ترامب إنه لا يتمنى أن يكون في خندق واحد مع أشخاص مثل جون ماكين. وخلاصة القول إنه من الممكن دائماً تعلم أشياء أكثر مما يرغب المرء في تعلمه حقاً في هذا الموسم الانتخابي! جيل كولينز * *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»