اختلف أهل الاختصاص في تعريف الذكاء كل حسب زاوية نظره، فمنهم من ينظر إليه على أنه قدرات عقلية مرتبطة بالتحليل والتخطيط وحل المشاكل والوصول إلى استنتاجات والتفكير المجرد ويضيف إليها البعض سرعة التعلم وتنسيق الأفكار، ومن التعريفات الحديثة للذكاء ما قدمه «هاورد جاردنر» من جامعة هارفارد على أنه مجموعة من القدرات المتخصصة لّخصها في 9 قدرات منها المرتبط باللغات والرياضيات والموسيقا، إضافة إلى القدرات الجسمية، ولا يشترط أن يكون الإنسان متميزاً في كل هذه القدرات. بعد هذه المقدمة اسمحوا لي أن أعرض عليكم فكرة شراء الذكاء لدينا نحن العرب عبر قصة عشتها أثناء دراستي في الولايات المتحدة، حيث قدم إلينا شاب من إحدى دول الخليج وتعرفت إليه في يوم وصوله. أعجبني أن لديه خططاً واضحة لحياته، لكنه متعجل في تطوير قدراته، فبعد 3 سنوات من وصوله أنهى دراسة اللغة والبكالوريوس والماجستير، تبسمت عندما أخبرني بنبأ تخرجه وسألته عن السر فقال الاجتهاد. ولأني متخصص في التربية وأفهم نظام التعليم الأمريكي أدركت أن في الأمر سراً ملخصه شراء الشهادات. فصارحته لأنه من أسرة معروفة، وقلت له: «أنت حر فيما فعلت لكن استر نفسك، واعمل في إحدى شركات والدك»، تفاجأت به وقد أرسل إلي قصاصة من الجرائد بها تهاني أسرته له بتخرجه، وقرار تعينه مديراً في إحدى الجهات الحكومية، ولأنه في مجال علمي وعملي انفضح أمره خلال سنته الأولى وقدم استقالته. فلما التقيته ذكّرني بوصيتي له، لكنه أنهى حواره معي بقوله: «هل تعلم أن بعض من أعرفهم تخرجوا بنفس طريقتي وهم اليوم على رأس أعمالهم، لكنهم كانوا أذكى مني حيث هجروا المواطنين من قربهم واستعانوا بمن يقوم بدورهم دون فضح أمرهم»، هذه القصة تتكرر اليوم للأسف الشديد لدينا مع انتشار ظاهرة الجامعات الخاصة التي أغرت الشباب بشهادات الماجستير والدكتوراه وشعارها الخفي «ادفع تنجح»، ولأن شروط الترقية في بعض المؤسسات والدوائر تشترط الماجستير دون تحديد جهة إصدارها تسابق الشباب نحو مثل هذه الجامعات. أخبرني أحد المديرين أن موظفاً لديه اجتمع معه محتجاً على أنه حصل على الماجستير دون أن ينال الترقية، وكان المدير ذكياً لأنه يعرف جهة إصدار هذه الشهادة فقال له: «لو كتبت لي في ورقة الآن ملخصاً سريعاً لأهم المواد التي درستها لكن بلغة دراستك وهي الإنجليزية، فإنك ستترقى قبل خروجك من المكتب، تبسم الموظف واستأذن للخروج». شخصياً أومن بأن لكل إنسان ذكاء خصه الله به، وهذا الذكاء قابل للتطوير بالعلم والدراسة والممارسة، لكن الذكاء لا يمكن أن تقتنيه بمالك، لأنه ليس سلعة للشراء كما يعتقد بعض مدعي الذكاء. في المقابل هناك شباب يبذل ماله في طرقه السوية ويطور من قدراته عبر الالتحاق بالمؤسسات الراقية للدراسات العليا، ويشارك في أفضل المؤتمرات كي يُطور من ملكاته، والأهم من ذلك أن له إنتاجاً واضحاً سواء في المجال الفكري والتطبيقي، هؤلاء هم الرصيد الفعلي للأوطان وهم عماد المجتمع وسر تقدمه وتميزه للمقال أكثر من رسالة أولها لمن سلكوا درب شراء الذكاء، وهؤلاء أقول لهم: «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. في الإمارات فرص لا بد من استثمار أفضلها للارتقاء، فأمانة العلم ينبغي أن تقدر، الأمر الثاني هو لجهة الاختصاص في التعليم العالي. من المناسب في هذا الوقت أن نراجع تراخيص جل الجامعات الخاصة التي جاوز عددها السبعين، وسحب ترخيص من لم يلتزم بأبسط معايير الكفاءة الأكاديمية، لأن الإمارات بحاجة إلى أذكياء وليس إلى شهادات جوفاء». *أكاديمي إماراتي