فيما يتعلق بالنمو، يبدو العالم قليلًا وكأنه لم يعد يحقق تقدماً. بالتأكيد نحن بخير. ولكن يبدو أننا لا نتحرك إلى الأمام. لقد تعافى الإنتاج العالمي إلى حد ما منذ كارثة الأزمة المالية، ولكنه لم يسترد بعد عافيته بشكل كامل. وبدلًا من ذلك، نشعر بذهول جراء معدل النمو المنخفض بشكل كبير، في الخارج وفي الداخل، على حد السواء. فماذا يحدث؟ إحدى النظريات تقول: إن هذه ببساطة هي آثار الأزمة المالية. فلدينا قدر كبير من الاستثمار السيئ، والآن لدينا الكثير من المشاكل المالية والنقدية التي يجب حلها، وكما هو الحال مع الأمراض المستعصية، فإن الأمر سيستغرق منا بعض الوقت لتجاوز المأزق بنسبة 100%. وهناك نظرية أخرى أكثر إثارة للقلق تقول: إن هذا ربما يكون هو الوضع الطبيعي بسبب شيخوخة سكان العالم المتقدم. وهذا أمر سيئ على وجه الخصوص، لأنه عندما يتقدم السن بالسكان، يكون هذا هو الوقت الذي تحتاج فيه إلى النمو بشكل أكبر. لقد قطعت الشعوب المتقدمة وعوداً كبيرة لسكانها المسنين، وعود بأنه سيكون بوسعهم العيش في المستوى نفسه الذي اعتادوا العيش فيه خلال سنوات عملهم. وكان من السهل الوفاء بهذه الوعود عندما كانت نسبة العاملين إلى المتقاعدين تبلغ نحو خمسة إلى واحد. وفيما انهارت هذه النسبة، أصبح الأمر أصعب بكثير، لأن كل عامل يجب أن يخصص جزءاً أكبر من دخله لدعم شخص آخر بالغ ولا يعمل. وهناك مثال رقمي بسيط ربما يوضح مدى أهمية معدلات النمو لاقتصاد هَرِم. دعونا نقول: إن لدينا 99 عاملًا وهناك وشخص واحد متقاعد، ونريد أن يستمتعوا جميعهم بنفس المستوى من المعيشة. فلنقل إن كل عامل يستطيع إنتاج أشياء بقيمة 100 دولار. وإذا تبرع كل من عمالنا بدولار للمتقاعد، فإن الجميع سيحصلون على 99 دولاراً. والآن دعونا نفترض أن تسعة أشخاص آخرين سيتقاعدون خلال الأعوام التسعة المقبلة. وإذن فلدينا الآن 90 عاملًا، يولدون ناتجاً إجمالياً بقيمة 9000 دولار سنوياً. وإذا قسمنا المبلغ، سيحصل كل شخص على 90 دولاراً بدلًا من 99. وفيما يتقاعد مزيد من الناس، تصبح العملية الحسابية أكثر سوءاً. وفي نهاية المطاف، ربما يقول العاملون: «أنتم أيها المتقاعدون تكفلوا بأنفسكم». وبطبيعة الحال، فإن هذا المثال يعتبر اقتصاداً ثابتاً. وإذا ما جعلنا هؤلاء العمال أكثر إنتاجية، فإن الأمور ستختلف كثيراً. وإن حقق الاقتصاد نمواً بنسبة 2% فقط، وتقاعد الناس بنفس المعدل، يمكننا الحفاظ على هذا النظام إلى أجل غير مسمى، ولن يزداد العاملون ولا المتقاعدون فقراً. ومن ناحية أخرى، إذا تراجع النمو إلى 1% فإن الدخول ستنخفض بمرور الوقت. إن الناتج المحلي الإجمالي يرتفع، ولكن الدخل يتراجع. ومن الواضح أن هذا أمر غير مرغوب فيه - وهو أيضاً غير ملائم سياسياً. ولهذا السبب فنحن بحاجة إلى إحداث نمو في الإنتاجية الآن أكثر من أي وقت مضى. والاقتصاديون يعرفون منذ فترة طويلة أن الاقتصادات من المرجح أن تتباطأ عندما تزداد أعمار السكان، وذلك ببساطة بسبب انخفاض حجم قوة العمل. فالنمو الاقتصادي يتألف من عنصرين: نمو قوة العمل ونمو الإنتاجية. وإذا تراجعت هذه الأرقام، فإن معدل النمو سيتراجع أيضاً. ولكن معظم التعليقات على هذا ركزت على عنصر قوة العمل. فقد ذكر «نيكول مايستاس مولين» و«ديفيد باول» أن ثلثي الانخفاض في معدل النمو يأتي في الواقع من انخفاض الإنتاجية، بينما يلعب عنصر تقلص قوة العمل دوراً ضئيلًا نسبياً. فلماذا يجب أن يكون هذا صحيحاً؟ إذا فكرت في الأمر فلن تشعر بالدهشة. فالنمو يأتي من الابتكار، والابتكار يكون محفوفاً بالمخاطر. فإذا كنت شاباً، فأمامك فرصة أطول للتعافي، والاستمتاع بثمار محاولة محظوظة أكثر مما يكون عليه الحال إذا ما كنت في سن الـ55. وينبغي أن نتوقع أن تنتقل المجتمعات المسنة نحو توازن أكثر استقراراً وأقل ابتكاراً. وللأسف، وبفضل كل الوعود التي قطعناها، فإن هذا التوازن لا يبدو بهذا القدر من الاستقرار. وإذا تراجع نمو قوة العمل ونمو الإنتاجية في الوقت نفسه، فإن معظم الدول المتقدمة في العالم ستجد نفسها في أزمة عميقة فيما تحاول تمديد الدخل المتقلص للوفاء بوعودها للمتقاعدين. وهناك حل واضح هو أن نستورد قوة عمل من الشباب، وبالتالي نحول التركيبة السكانية مرة أخرى نحو توازن النمو العالي القادر على الوفاء بهذه المطالب. ميجان مكارديل* * محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»