هذا هو موسم الانتخابات، وهو وقت التوقف عند ظاهرة انخفاض نسبة الإقبال على التصويت. ولم يعد الأميركيون يصوتون بأعداد كبيرة بالمقارنة مع مواطني الديمقراطيات الأخرى. ويعتبر ضعف الإقبال خبراً سيئاً فيما يتعلق بحالة النظام الجمهوري. ويمكن لانتخابات العام الجاري أن تكون أكثر مدعاة للأسى، لأن كثيراً من الناس فقدوا مشاعر الود إزاء مرشحي الحزبين الرئيسيين في الحملة الانتخابية. وعلينا أن نتذكر أن انخفاض نسبة الإقبال على التصويت يُعدّ مؤشراً على إحباط وعدم رضى الناخبين. لكن الانتخابات ذات الإقبال الضعيف لا تعني بالضرورة أنها لا تشكل تمثيلاً صادقاً للرأي العام. والقضية المهمة لا تتعلق بعدد الناخبين الذين يدلون بأصواتهم، بل بنوعيتهم ومشاربهم. وقد أظهر بحث أنجزته، برفقة زميلي في جامعة هارفارد لويس كابلوف، أنه حتى نعرف ما إذا كان الانتخاب يمثل الرأي العام بالفعل أم لا، فإن الأمر يتطلب البحث عن نوعية الناس الذين قرروا عدم المشاركة فيه، والدوافع التي تقف وراء امتناعهم، وما إذا كان قرارهم هذا يرتبط بمواقفهم ووجهات نظرهم السياسية، أم أنه يعود لأسباب أخرى. وبالنسبة لكثير من المواطنين، فالعوائق التي تدفعهم للامتناع عن التصويت ذات طبيعة لوجستية بأكثر مما هي ذات طبيعة أيديولوجية. وبعض الناس يمتنعون عن التصويت لأنهم يعتبرونه معركة بين المرشحَين لا علاقة لهم بها. ويمكن أن يتطلب التصويت الاستيقاظ المبكر من النوم، وهو ما لا يروق لكثير من الناس. أو قد يتطلب وقتاً مستقطعاً من العمل يزيد على ساعة كاملة، والانتظار في صفوف طويلة أمام اللجان الانتخابية. ومعظم الناس الذين يحرصون على المشاركة في التصويت يفعلون ذلك لأسباب شخصية. وكثيرون منهم يفعلون ذلك من أجل الشعور بالفخر لممارستهم لحقوقهم المدنية، أو لأن أصدقاءهم وعائلاتهم يريدون منهم أن يفعلوه. وقبل أن يقرر أي ناخب ما إذا كان سيصوّت أم لا، فهو يعمد إلى إجراء معادلة بين الفوائد والأضرار من خلال مقارنة التكاليف اللوجستية (مثل التنقل وإضاعة الوقت وغير ذلك) مع المكاسب النفسية التي سيحققها من المشاركة في العملية. فإذا كان التمثيل الانتخابي الحقيقي هو الهدف الذي يسعى إليه الناخب، فلن تمثل هذه العوائق أي مشكلة بالنسبة له. أما إذا كانت تكاليف التصويت لا تعتمد على المرشح الذي تؤيده، وكانت المكاسب الشخصية للتصويت لا تعتمد على ذلك أيضاً، فإن الناخبين الممتنعين عن التصويت يمكن أن يعبروا عن مواقف شريحة واسعة من السكان. ولهذه الأسباب، يمكن القول إن تعزيز الممارسة الديمقراطية السليمة يمكن أن يتحقق عن طريق الابتكارات والاختراعات التي تخفّض من تكاليف التصويت أو تزيد من فوائده بالنسبة لكل الناخبين. ويمكن لمنصات تسجيل الناخبين المبسطة، وبرامج التصويت الإلكترونية والتصاميم المتطورة لتلك البرامج، أن تشكل في مجموعها استثماراً ديمقراطياً جديراً بالاهتمام. وإذا أردنا أن نجعل من الانتخابات وسيلة لبلوغ هدف التمثيل الصادق للناخبين، فإننا نحتاج إلى الإبقاء على عملية توزيع تكاليف وعوائد التصويت مستقلة عن السياسات التي تعتمدها الأحزاب في هذا الشأن. ويكون من الضروري أيضاً استبعاد الممارسات الانتخابية التي تجعل تكاليف التصويت تختلف من مجموعة سكانية إلى أخرى. وتقف هذه الحقيقة المنطقية وراء القرار الذي استندت إليه محكمة الاستئناف الأميركية والمتعلق بالدائرة الرابعة الذي ألغى قانون بطاقة التصويت الشخصية في ولاية نورث كارولينا. ومن المعلوم أن القوانين المتعلقة بحيازة البطاقة الانتخابية الشخصية ترفع تكاليف التصويت على نحو غير متوازن في أوساط ذوي الدخل المتدني، الذين لا يجدون الوقت الكافي ولا يمتلكون الوثائق الثبوتية المطلوبة لاستخراج بطاقاتهم. كما أن القوانين الجديدة لاستخراجها تقلل من إقبال الأقليات ذات الدخل الضعيف على التصويت وخاصة في أوساط الأميركيين الأفارقة. ولهذا السبب يمكن القول إن هذه القوانين تؤثر سلباً على التمثيل الحقيقي وتسيء لتمثيل الأقليات وللمفهوم الحقيقي للديمقراطية. ويضاف لكل ذلك أن أعضاء القطاع العسكري الذين يخدمون خارج الوطن يواجهون بدورهم عوائق وصعوبات شتى حتى يتمكنوا من التصويت. وهذا يعني أن الموظفين من الرجال والنساء فيما وراء البحار لا يمكن تمثيلهم في التصويت على النحو المطلوب، وهذا أيضاً مما يسيء للممارسة الديمقراطية. ومن أجل حل هذه المشكلة، يتطلب الأمر تبسيط وإشاعة استخدام برامج التصويت الدولية. وخلاصة القول إن من المهم أن نجعل التصويت سهلاً على نحو متكافئ بالنسبة للجميع حتى يتطابق مع الأصول الديمقراطية الحقيقية. سكوت ديوك كومينيرز* * محاضر زميل في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»