طالب عددٌ من أعضاء مجلس الشورى القطري ومحامون قطريون بضرورة وقوف العالم ضد تطبيق «قانون العدالة ضد الإرهاب» المعروف اختصاراً بـ«جاستا»، الذي أُقرّ بأغلبية ساحقة في الكونجرس الأميركي، في رفض جليّ لـ«الفيتو» الذي أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد مشروع القانون. وقال عضو مجلس الشورى ناصر راشد الكعبي: «إن القانون ينتهك العدالة والسيادة الوطنية للدول»، وتوقَّع أن تكون للقانون انعكاسات سلبية كبيرة وفوضى من قِبل الأفراد الذين يعتقدون أنهم تضرروا من عمليات إرهابية. في حين أكد عضو مجلس الشورى محمد عجاج الكبيسي على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي للضغط على أميركا لإلغاء ذلك القانون، «الذي بلاشك ستكون له تبعات خطيرة على دول العالم كافة، وعلى الدول الإسلامية والعربية على وجه الخصوص». أما المحامي راشد آل سعد فقد أشار إلى الأضرار التي ستلحق باقتصاد الولايات المتحدة في حال تنفيذ ذلك القانون المشبوه، الذي يمثل انتهاكاً للعلاقات والسيادة الدولية. معلوم أن القانون المذكور يضمن لضحايا الحوادث الإرهابية وذويهم إقامة دعاوى ضد الدول والأفراد ومطالبتهم بتعويضات مالية، ويوفر القانون غطاءً لأي مواطن أميركي لمقاضاة أية دولة، حتى في حالة «الاشتباه» حول ضلوعها في أحداث إرهابية! ويرى المحللون العرب أن القانون المذكور يُمثّل تشريعاً أميركياً لابتزاز الدول، كما أنه يضُّر بالعلاقات الدولية، لاجترائه على القانون الدولي. كما أن ذلك القانون يُهيئ الأرضية لاتخاذ الدول الأخرى قوانينَ وتشريعات مضادة، ما يُمكن أن يؤدي إلى «فوضى قانونية» على كوكب الأرض. كما ربط خبراء اقتصاديون توقيتَ صدور القانون بتوصل الولايات المتحدة إلى إنتاج البترول الصخري بواقع 10 ملايين برميل يومياً، ما يعني أنها لم تعُد بحاجة إلى البترول من المنطقة! كما تزامن القانون مع اتجاهات للولايات المتحدة للانسحاب المتدرج من منطقة الخليج العربي، وإعطاء «الضوء الأخضر» للجيش الأحمر -السابق- للتوغل في المنطقة، ودليلُ ذلك ما جرى في سوريا، عندما شاركت القوات الروسية بوضوح في الحرب الدائرة هناك. والأرقام التي توفرت، في حال تطبيق القانون على أحداث 11 سبتمبر، تشير إلى مطالبات بتعويضات قد تصل إلى 3,03 تريليون دولار! وهو مبلغ ضخم للغاية. وكان الاتحاد الأوروبي قد حذّر الكونجرس الأميركي من اعتماد مثل ذلك القانون الذي -كما ذكر الاتحاد- سيدفع دولاً أخرى لإصدار قوانين مماثلة، اعتماداً على مبدأ سيادات الدول. كما رأت بعض المصادر الأميركية أن تطبيق قانون «جاستا» قد يُعرّض مواطنين أميركيين لملاحقات قانونية في الخارج، (كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عددها يوم 28/9/2016). وفي يوم 9/10/2016 أشار مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية إلى القلق الكبير للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السياسية، مُعتبراً أن اعتماد قانون «جاستا» من شأنه التأثير سلباً على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن مشروع القانون واجه اعتراضات واضحة من الإدارة الأميركية مثل الرئيس الأميركي، ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير الاستخبارات المركزية، وعشرات من خبراء الأمن القومي الأميركي. وعبّر المصدر عن الأمل في أن يتخذ الكونجرس الأميركي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سنِّ القانون. وحتى اللحظة، لم نشهد تحركاً إيجابياً وجماعياً من دول العالم لمواجهة ذلك القانون، الذي يخترق سيادات الدول ويجترئ على خصوصيات الأفراد، وهو كما عبّر عنه كثيرون: وسيلة جديدة من أجل ابتزاز الدول والأفراد. وإذا كانت الولايات المتحدة قد فرضت «عضلاتها العسكرية» ردحاً من الزمن في المنطقة العربية، ومنطقة الخليج العربي بالذات، فإنها اليوم تحاول فرض «عضلاتها القانونية» لتتحكم في دول العالم «عن بُعد»، ناهيك عما قامت به من قبل، تحت دعاوى مكافحة الإرهاب، من مراقبة عمليات تحويل الأموال بين الدول، وتعكير حياة الناس وخصوصياتهم، للإفصاح عن الأموال التي يحولونها من بلد إلى آخر، حتى لو لم تذهب تلك الأموال إلى الولايات المتحدة، حيث لابد أن تعلم بحركة التحويل، ولو كان المبلغ لا يتجاوز 5 آلاف ريال. إن الموضوع يحتاج -كما قلنا سابقاً- إلى تحرك دبلوماسي مكثّف، واستثمار علاقات الدول العربية والإسلامية والأوروبية مع واشنطن، لوقف تطبيق ذلك القانون الذي يُحوّل الولايات المتحدة إلى «أسدٍ هصور» في غابة يستهدف كل من فيها! ---------------- * كاتب وإعلامي قطري