لقد حاولتُ إحصاء عدد المرات التي قاطع فيها السيناتور «الديموقراطي» عن ولاية فرجينيا تيم كاين، وحاكم ولاية رود آيلاند «الجمهوري» مايك بينس، بعضهما خلال الحوار الذي نُظم بين نائبي المرشحين الرئاسيين الاثنين الماضي، إلا أنني لم أتمكن من متابعة العدّ. ولحسن الحظ، نجحت قناة ABC في إنجاز هذه المهمة الصعبة، وتحدثت عن توصلها للنتائج التالية: 70 مقاطعة لـ«كاين» مقابل 40 لـ«بينس». وكان ذلك يمثل تعبيراً صادقاً عن مجريات المناظرة الرئاسية الأولى بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون وحيث قاطع مرشح الحزب «الجمهوري» منافسته عن الحزب «الديموقراطي» 51 مرة مقابل 17 مقاطعة لكلينتون وفقاً لما أعلنته قناة «فوكس». ولقد سجلت أنا شخصياً أكثر من 180 حالة لما أطلقت عليه مصطلح «تقاطع المرشحين»، وهي الظاهرة التي أكدت لدي حقيقة واحدة مفادها أننا أصبحنا شعباً فقد فنون وأصول الحوار تماماً. وأنا أشعر بهذا الافتقاد في كل مكان وكل يوم، من خلال مهنتي كخبير في الحكم على السلوكيات الطيبة وغير الطيبة، وتساءلت مع نفسي: هل أصبحنا نعاني من مشكلة المقاطعات الحوارية أكثر من قبل؟ وهل من المحتمل أن يكون الرجال أكثر استعداداً للخوض في المشادات الحوارية من النساء؟ وهل تُلام وسائل الإعلام على هذا التراجع والسقوط الذي تتعرض له حضارتنا؟ لقد كان للكاتبة والمحللة «ساره فروستينسون» أن تساعد في التوصل إلى جواب عن السؤال الأول عندما عمدت إلى إعادة البحث في المناظرة الرئاسية الأولى بين أوباما ومنافسه الحاكم السابق لولاية ماساشوسيتس ميت رومني عام 2012. واستنتجت أن أوباما قاطع إجابات رومني عن الأسئلة الموجهة إليه سبع مرات مقابل أربع مرات لرومني، وهكذا نستنتج أن مناظرة (كاين – بينس) كانت أسوأ بعشر مرات بمقياس عدد المقاطعات الحوارية، وفيما يتعلق بالأهليّة التحاورية، أظهر أوباما ورومني مستويات أفضل من حيث التحضّر والكياسة من تلك التي يظهرها «ترامب» و«كاين» وفق مقاييس الألفاظ المستخدمة ولغة الجسد وطريقة الحركة، والسلوك العام. وأنا أستغرب سلوك أولئك الذين يقفزون فوق كلامي عندما أتحدث عن قضية ما ويسارعون إلى رواية قضاياهم أو آرائهم قبل أن أستكمل حديثي، وأتمنى لو أعرف الجواب عن السؤال التالي: هل يعتبر من باب تجاوز الحدود الشخصية أن أطلب منك أن تستمع إلى ما أقوله أولاً قبل أن تصوغ ردك المدروس بعناية على ما قلت؟ وكما قالت لي «شيري توركل» الأستاذة المحاضرة في معهد ماساشوسيتس التكنولوجي ومؤلفة كتاب (تصويب المحادثة: قوة الخطاب في العصر الرقمي)، فإن «الخطاب الحواري الحقيقي لم يعد قائماً في نظامنا السياسي، ولا حتى على مستوى حياتنا الشخصية». ويبدو بوضوح أن الحوار السياسي لهذا العام أكثر تعقيداً بسبب اختلاف الجنس بين مرشحي الرئاسة بعد أن كسرت كلينتون القواعد المتبعة وفازت بالتسمية، وبعد المناظرة الانتخابية الأولى، قالت الروائية والكاتبة الأميركية- المغربية ليلي العلمي: «لا توجد ثمّة امرأة أميركية واحدة لم تلاحظ نمط المقاطعة الذي استخدمه ترامب ضد كلينتون». وسبق للرئيس بوش الأب أن تعلم الدرس بعد تعرّضه لانتقادات إعلامية قاسية بسبب لهجة الاستعلاء التي تبناها خلال مناظرة نائبي الرئيسين (رونالد ريجان ووالتر مونديل) في انتخابات عام 1984 ضد منافسته جيرالدين فيرارو، وفي عام 2008، استمع جو بايدن (النائب المرشح لباراك أوباما) لنصيحة مهمة قبل أن ينافس ساره بالين (النائبة المقترحة للمرشح جون ماكين) في مناظرة نائبي المرشحين للرئاسة، جاء فيها: «عليك أن تتوخى منتهى الحذر، وأن تتأكد من أنك لن تظهر بمظهر الإنسان المتكبر المتعجرف غير المهذب»، وأخذ بايدن بهذه النصيحة، وكانت النتيجة واضحة من خلال ما كتبه المحلل السياسي إميل كوسين في معرض التعبير عن إعجابه بالمناظرة التي جرت بينهما: «لقد أصبح جو هو ساره، وأصبحت ساره هي جو. لقد مثل هذا الحوار أرقى مستوى من الانسجام بين الجنسين في المناظرة الانتخابية لنائبي الرئيسين لعام 2008، ولم نجد فيها مواجهة هجومية أو مقاطعة في غير محلها على الإطلاق»، وربما يكون دونالد ترامب قد أعادنا الآن إلى الأساليب الحوارية القديمة التي كانت سائدة خلال القرن الماضي، فهل يمكننا أن نلوم الإنترنت على هذا التوجّه غير المتحضّر؟ وهل نوجه أصابع الاتهام إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت السلوكيات النارية والعدائية هي القاعدة السائدة فيها؟ والحقيقة أنه ليس في وسع أحد أن يقاطعنا عندما نتحاور على مواقع الإنترنت على الرغم من أننا غالباً ما نشعر أننا مشحونون بالغضب عندما نكتب منشوراتنا وتغريداتنا. نحتاج الآن أن تحمل مسؤولياتنا عن إدارة سلوكنا أثناء التعامل مع عامة الناس، وأن نعيد تعلّم وإتقان فن الكلام، وهو الفن الذي يبدو أننا فقدناه تماماً. ستيفن بيترو محلل اجتماعي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»