تمخض اجتماع منظمة «أوبك» الأخير بالجزائر عن اتفاق بتخفيض الإنتاج بمقدار 740 ألف برميل يومياً على أن يُعاد تحديد مستوى سقف جديد لإنتاج المنظمة وتوزيع الحصص بين أعضائها في الاجتماع الدوري التالي للأوبك في شهر نوفمبر القادم، علماً بأن الفائض في السوق يتجاوز مليوني برميل يومياً، مما يعني أن هذا التخفيض لن تكون له أية تأثيرات قوية في أسواق النفط. ذلك يعني أن إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة سينخفض من 33.24 مليون برميل يومياً إلى 32.5 مليون برميل، في الوقت الذي يفترض فيه ألا يتجاوز إنتاج المنظمة 31 مليون برميل يومياً على أفضل تقدير وفق نظام الحصص المتفق عليه سابقاً، والذي تم تجاوزه، وبالأخص من قبل العراق الذي أطلق العنان لزيادة طاقته الإنتاجية إلى أعلى مستوى، وأبدى شكوكاً حول الالتزام بالقرار الأخير، وذلك إلى جانب تهديدات إيران بزيادة الإنتاج إلى 4 ملايين برميل يومياً. ما يهمنا هنا يكمن في مدى إمكانية تطبيق هذا القرار ومدى فعاليته وآفاق نجاحه وتأثيراته في أسعار النفط في المدى المنظور، إذ إن هناك عقبات وتحديات كثيرة تقف حجر عثرة أمام تطبيقه، فأولاً، لا بد من تعاون المنتجين من خارج «أوبك»، حيث يتمتع بعضهم بطاقة إنتاجية كبيرة تفوق البلدان الأعضاء كافة في الأوبك باستثناء السعودية، كإنتاج النفط الروسي الذي يتجاوز 10 ملايين برميل يومياً، حيث لا بد من الاتفاق مع المنتجين من خارج المنظمة والذي من دونه لا يمكن إيجاد التوازن المطلوب في السوق، مما يعني أن تعاون هؤلاء المنتجين مسألة أساسية لتوازن السوق. ثانياً، هناك الخلافات بين أعضاء المنظمة أنفسهم والناجمة عن الأحداث الجيو - سياسية، والتي تجد لها انعكاسات وخيمة على الثقة والالتزام بالحصص في حالة الاتفاق عليها في الاجتماع القادم، علماً بأن بعض بلدان «أوبك»، وبالأخص إيران تملك سجلاً من الخروقات وعدم الالتزام بمستويات الإنتاج، كما يصعب التأكد من عملية الالتزام ذاتها، مما يؤدي إلى فقد الاتفاق محتواه وقوته وتأثيره في الأسواق. ثالثاً، تتزايد الشكوك بقدرة الاقتصاد العالمي على النمو، وبالتالي ارتفاع الطلب على مصادر الطاقة، وبالأخص النفط، فنمو الاقتصاد العالمي المتوقع لهذا العام انخفض من 3.1% إلى 2.9%، بسبب الأزمات المتتالية في العديد من الاقتصادات الكبيرة، كبلدان الاتحاد الأوروبي وتأثيرات خروج بريطانيا وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيحقق معدل نمو 3.1% العام القادم 2017. وبالتالي، فإن ارتفاع الطلب على النفط سيبقى مستقراً عند 1.5 مليون برميل يومياً في عامي 2016 و2017، مما يؤكد ضرورة الاتفاق وأيضاً الالتزام بسقف إنتاج لأوبك لا يتجاوز 31-32 مليون برميل يومياً مع ضرورة تعاون المنتجين من خارج المنظمة، وذلك من أجل الحفاظ على حد أدنى من التوازن بين العرض والطلب، مما قد يؤدي إلى استقرار الأسعار عند معدلات تتراوح ما بين 45 - 55 دولار للبرميل في ما تبقى من العام الجاري وعام 2017 وهو وضع مقبول للبلدان المصدرة للنفط، حيث يمكنها التأقلم مع هذه الأسعار بانتظار مستجدات ومؤشرات جديدة. تبقى هناك مسألة مهمة لا يمكن إغفالها تتعلق بنشاط المضاربين، وهو نشاط كبير ومؤثر جداً في تقلبات الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً، باستغلال العديد من الأحداث والبيانات، وبالأخص بيانات المخزون الأميركي من النفط والذي أضحى يلعب دور بندول الساعة دون أن يعلم أحد بحقيقة وصحة البيانات التي تنشر، والتي يستخدمها المضاربون ويستغلونها بصورة مستمرة. الخلاصة الرئيسة، هي أن البلدان المنتجة كافة تشعر بضرورة معالجة الوضع، وهو مؤشر إيجابي ربما يدفع بالأسعار إلى الأعلى بصورة تدريجية في الفترة القادمة، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتمالات والمحاذير كافة التي أشرنا إليها. د. محمد العسومي* *خبير ومستشار اقتصادي